التشويق والتنفير والقبض والبسط فلا بأس به وورد أن من البيان لسحرا وعن المبالغة في المزاح بضم الميم مصدر مزح كمنع أو كقتال فإنها تولد كثيرا من الذنوب والعيوب في المازح أو الممزوح كحقد العاقل وجرأة السفيه وسقوط الوقار وفي حديث أمير المؤمنين (ع) إياك والمزاح فإنه يجر السخيمة و ويورث الضغينة وهو السب الأصغر وعن أبي عبد الله (ع) لا تمازح فيجترى عليك وعنه (ع) كثرة المزاح تذهب بماء الوجه وزوال حلاوة المحبة بما فيها من الابتذال والامتهان والغفلة عن الله (تع) وظلمة القلب بكثرة وورد في النبوي لا تمار أخاك ولا تمازحه وهو محمول على الاكثار منه كبعض ما تقدم أما أصل المزاح في بعض الأوقات لتنشيط الطبيعة حيث يكون مطلوبا وتطييب قلب الصاحب مع خلوه عن الرفث والكذب وسائر الآفات فمرغب فيه قولا وفعلا وورد عن الفضل بن قرة قال قال أبو عبد الله (ع) ما من مؤمن إلا وفيه دعابة قلت وما الدعابة قال المزاح وعن أبي جعفر (ع) إن الله يحب المداعب في الجماعة بلا رفث وعن يونس الشيباني قال قال أبو عبد الله (ع) كيف مداعبة بعضكم بعضا قلت قليل قال فلا تفعلوا فإن المداعبة من حسن الخلق وأنك لتدخل بها السرور على أخيك ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يداعب الرجل يريد أن يسره وسئل ابن عباس أكان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح قال نعم قيل فما كان مزاحه قال إنه كسى ذات يوم امرأة من نسائه ثوبا واسعا فقال لها ألبسيه وجري منه ذيلا كذيل العروس واتته عجوزة يدعو لها بالجنة فقال لها لا يدخل الجنة عجوز فبكت فقال لها لست يومئذ بعجوز وقرأ إنا أنشأناهن انشاءا فجعلناهن أبكارا وجاءته امرأة فحدثت عن زوجها فقال الذي بعينه بياض قالت لا ليس بعينه بياض قال بلى إن في عينه بياضا قالت لا والله ليس بعينه بياض قال ما من أحد إلا وبعينه بياض أراد البياض المحيطة بالحدقة وأكل ذات يوم التمر ومعه علي وكان يجمع النوى عند علي فلما فرغا قال يا علي إنك لأكول فقال يا رسول الله الأكول من أكل التمر ونواه وكان يتصابى مع الحسنين ويحملهما على ظهره ويقول نعم البعير بعيركما وكان أمير المؤمنين (ع) يداعب أصحابه حتى عيب بذلك لما لم يجدوا فيه مساغا للعيب سواه وعن الاستهزاء فإنه من فعل الجاهلين وهو السخرية كالاستحقار للغير والتنبيه على نقائصه على وجه يضحك منه والمعدود من آفات اللسان ما كان منه بالقول وربما يكون بالفعل وبالإشارة وبالضحك على كلامه مثلا إذا تخبط نظمه أو على خطه أو صنعته أو هيئته وجميعه محظور منهي عنه إذا كان مؤذيا فورد في التنزيل لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم وعن النبي صلى الله عليه وآله إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة فيقال هلم هلم فيجئ بكربه وغمه فإذا أتى أغلق دونه ثم يفتح له باب آخر فيقال هلم هلم فيجئ بكربه وغمه فإذا أتى أغلق دونه فما يزال كذلك حتى أن الرجل ليفتح له الباب فيقال هلم هلم فما يأتيه وعن افشاء السر حديثا كان أو غيره من العورات وهو مما يذم في حال الرضا والغضب بل قال ذو النون إن الافشاء عند الغضب من لوم الطبع وأما عند الرضا فالاخفاء مما تقتضيه الطباع السليمة كلها وورد عن النبي صلى الله عليه وآله المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس مجلس يسفك فيه دم حرام ومجلس يستحل فيه فرج حرام ومجلس يستحل فيه مال من غير حله إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة لا يحل لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يكره وعنه صلى الله عليه وآله إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهو أمانة وذلك أن التفاته علامة حذره عن اطلاع الغير وعن الوعد من غير وفاء سواء كان على عزم الخلف ابتداء أو طرء له بعد ذلك فهو من ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله ثلاث هن من علامات النفاق ولفظ الرواية من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان والواجب الوفاء للموعود له في كل وعد فهم منه الجزم وإن استثنى بذكر المشية فإنه إنما يذكر غالبا بقصد التبرك دون التعليق فلا ينافي انعقاد الوعد وورد في الكتاب المجيد أوفوا بالعقود وهو من الأوامر المحمولة على الوجوب عندهم و في السياق إشارة إلى أن وجوب الوفاء ليس لكون الخلف كذبا فإن قول القائل آتيك غدا ليس من باب الأخبار بل هو انشاء للوعد كساير العقود فلا يوصف بالصدق والكذب كما قرره بعض الفضلاء الذين عاصرناهم وكيف كان فلا ريب في رجحان الوفاء إلا أن المشهور فيه الاستحباب للأصل وهو مدفوع بكثير من الظواهر الموافقة للاحتياط غالبا ففي الحسن أو الصحيح عن أبي عبد الله (ع) عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له فمن أخلف فيخلف الله بدأ ولمقته تعرض وذلك قوله (تع) يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وعنه (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد وفي نهج البلاغة الخلف يوجب المقت عند الله وعند الناس ثم تلا الآية وفي أدعية سيد الساجدين اللهم إني أستغفرك لكل نذر نذرته ولكل وعد وعدته ولكل عهد عاهدته ثم لم أف به وعاب أمير المؤمنين (ع) في غير واحدة من خطبه بأنه يعد ولا يفي وحاله أقبح من أن يعاب على ترك السنن وليس المراد من ايجاب الوفاء اثبات حق للموعود له بحيث يجوز له المطالبة والمقاصة إذا كان الموعود ما لا كما قد يظن لعدم الملازمة بينهما كما أشرنا إليه فيما سلف ويعذر إن ترك الوفاء لعذر لا يمكنه دفعه بغير ضرر فورد فيه نفي الإثم إن كان في نيته الوفاء روى ذلك أبو حامد مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس الخلف أن يعد الرجل الرجل وفي نيته أن يفي وفي لفظ آخر إذا وعد الرجل أخاه وفي نيته أن يفي فلم يجد فلا إثم عليه وعن الكذب وهو الأخبار بما لا يطاق الواقع على المشهور وورد أنه ينقص الرزق وإن العبد ليكذب الكذبة فيتباعد الملك منه مسيرة ميل من نتن ما جاء به وهو من أمهات المعاصي وفواحش العيوب وفيه تضييع للقوة الناطقة التي بها يمتاز الانسان من البهائم العجم فإن كان في اليمين فأفحش وهو الغموس الذي سبق أنه من الكباير إلا إذا وقع في تركه أمر أفحش منه فيباح حينئذ وربما وجب لو كان فيه ابقاء على نفس معصومة تسفك بالصدق ونحوه والضابط أن المفسدة المترتبة على الكذب الموجبة لانخراطه في سلك المعاصي هو تصوير غير الواقع واقعا في نفس
(٣٢٣)