عن النبي صلى الله عليه وآله ذروا المراء فإنه لا تفهم حكمته ولا تؤمن فتنته وفي حديث آخر من ترك المراء و محق بنى الله له بيتا في أعلى الجنة ومن ترك المراء وهو مبطل بنى الله له بيتا في ربض الجنة وفي آخر لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى يدع المراء وإن كان محقا ومن أقسامه الجدال وقد نهى عنه بخصوصه قال الله سبحانه ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وسبق بيان ذلك في المقدمة وهو مراء يتعلق بالمذاهب خاصة فإن كل من سمع كلاما فإن وجده حقا كان عليه التصديق به والتسليم له بضرورة العقل وإلا فالسكوت عنه من دون انكار إلا أن يكون في أمور الديانة فإن أبهم عليه سأل إن كان من أهله وإن وجده باطلا اقتصر في بيان بطلانه على قدر ما ينكشف به الشبهة من دون تعنيف أو تجهيل أو شتم أو سب أو تضليل فإنه مما يوجب جرأة الجاهل وذهاب الحق بالباطل وهو من الجدال المذموم وربما تتعلل النفس فيه بأن الغرض الذب عن دين الله ونصرة الحق وتنكيس الباطل وأهله كيلا يتبع وهو من مواضع الغرور ويعرف الحال بكراهة إصابة الخصم وإرادة خطاه واظهار فضل النفس فمن وجد ذلك من نفسه فليعلمها كاذبة في الاعتذار ويقرب منهما الخصومة وهي لجاج في الكلام لاستيفاء حق مالي أو غيره سواء كان ابتداءا واعتراضا على كلام سبق بخلاف المراء فإنه لا يكون إلا اعتراضا وقد مضى أن الخصومة تمحق الدين وأنها ممرضة للقلب إلا لمظلوم ينصر حجته بطريق الشرع من دون إسراف وزيادة على الحاجة إلا أن ضبط اللسان في الخصومة على حد الاعتدال مما يكاد يلحق بالممتنعات لأنها توغر الصدر وتهيج الغضب وإذا هاج الغضب نسي المتنازع فيه وبقي الحقد بين المتنازعين وانطلق اللسان إلى تناول الخصم بأمور يجب الكف عنها وربما أدى الحال إلى انحصار المقصود في محض العناد واذلال الخصم فيأخذ المال المتخاصم فيه بعد هنات وهنات و يرميه في البالوعة أو يعطيه لغير المستحق ومن ثم كره لذوي المروات تولي الخصومات وعن الفحش وهو في الأصل الزيادة والكثرة ثم غلب في التعدي في القول والجواب والمراد التصريح بالذمائم التي يستحي منها ويجري أكثر ذلك في ألفاظ الوقاع وما يتعلق به فإن للسفهاء عبارات قبيحة صريحة يستعملونها فيه وأهل الحياء والصلاح يستهجنونها ويكنون عن معانيها بعبارات أخر كما كنى الله عن مباضعة النساء بملامستهن وليس يختص هذا بالوقاع بل الكناية بقضاء الحاجة عن البول والخرء من ذلك و كذا من به عيوب يستحى منها كالبرص والجمرة والبواسير ونحوها ينبغي التأدية عنها بالكنايات مثل العارض الذي بك ونحوه فالتصريح في ذلك من الفحش وسببه إما قصد الايذاء أو الاعتياد الحاصل من مخالطة الأرذال ومن عادتهم أيضا السب وهو كالفحش وأفحش وورد أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله الرجل من قومي يسبني وهو دوني هل علي بأس أن أنتصر منه فقال المتسابان شيطانان يتكاذبان و يتهاتران وأنه نهى صلى الله عليه وآله أن يسب قتلى بدر من المشركين وقال لا تسبوا هؤلاء فإنه لا يخلص إليهم شئ مما تقولون وتؤذون الأحياء إلا أن البذاء لوم وفي أخرى أنه قال له رجل أوصني فقال عليك بتقوى الله وإن امرء عيرك بشئ يعلمه فيك فلا تغيره بشئ تعلمه فيه يكن وباله عليه وأجره لك ولا تسبن شيئا من خلق الله ومن أفراده اللعن وأفرده بالذكر لتكرر لفظه في الكتاب والسنة وأصله الطرد والابعاد فإذا قيل لعن الله فالمعنى الابعاد عن الخبر والرحمة وورد لا تكونوا لعانين و أن اللعنة إذا خرجت من صاحبها ترددت فيما بينهما فإن وجدت مساغا وإلا رجعت على صاحبها بل ورد النهي عن لعن الحيوانات والجمادات وأنه ينتصر الملعون ويقول لعن أعصانا لربه فالمتهذب لا يطلق لسانه به بل بمطلق السب على غير من ثبت عنده أنه أهلهما كالفاسقين والكافرين والكاذبين على وجه العموم كما لعنهم الله في كتابه أو من علم بالخصوص أنه مات على شئ من الصفات المذكورة كالذين ثبت عن أهل العصمة صلوات الله عليهم لعنهم بأعيانهم واخبارهم بموتهم على ذلك دون من عداهم ممن لا معرفة لنا بحالهم سيما الذين تقادم بهم العهد من أهل الاسلام بمجرد أنه ينسب إليهم بعض المناكير مثل القول بالحلول والاتحاد ونحو ذلك لوجوه آ عدم ثبوت أكثر هذه النسب ب امكان تأويلها بما يوافق ظاهر الشريعة وقد ورد الأمر بتصريف فعل من كان على ظاهر الاسلام وقوله على سبعين وجها من الخير غاية الأمر الطعن عليهم في التعبير بهذه العبارات المتشابهة وهو مما لا يسوغ اللعن وقد ورد لا تذكروا موتاكم إلا بخير ج عدم ثبوت استمرارهم على هذه العقايد الزائغة إذ الخاتمة مستورة كما سلف فالاجتراء على لعنهم خروج عن يقين السلامة إلى الخطر بل الصواب الاقتصار على لعن الكافرين والفاسقين والكاذبين فهؤلاء إن كانوا من جملتهم شملتهم اللعنة وإلا كان اللاعن في أمن من رجوعها إليه وقد عظم الله سبحانه أمر اللعن جدا حتى أنه في آية المباهلة جعله وسيلة لاثبات أعظم الدعاوي وهي دعوى النبوة وحجة على الجاحدين لها فانقطعوا ولم يجدوا إلى ترداد القول سبيلا وفي آية اللعان لنفي النسب الثابت لولاه وأقامه مقام أربعة رجال عدول في ثبوت الرجم على المرأة لو نكلت عنه فلا يتساهل في مثله ويقرب منه الدعاء على أحد بالشر كقوله لا عافاه الله وقصر من عمره ونحو ذلك فإنه مذموم ولا سيما إذا أسرف فيه ولو كان ظالما فورد في الخبر أن المظلوم ليدعو على الظالم حتى يكافيه ثم يبقى للظالم عنده فضلة يوم القيامة وعن التشدق وهو لي الشدق بتكلف السجع والتصنع فيه بالمحسنات اللفظية والمعنوية كما يفعله المتقيدون بذلك إظهارا للفصاحة والبراعة ففي النبوي أنا والأتقياء من أمتي براء من التكلف وفيه أن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا الثرثارون المتفيهقون المتشذقون والكلام الجاري في المحاورات لقضاء الحاجات إنما يقصد به التفهم والتفهيم فاللائق فيه الاكتفاء بما يحصل به الغرض وأما تحسين الألفاظ وترقيق المعاني في المواعظ والخطب للتأثير في القلوب بالتحريك و
(٣٢٢)