قد اتضح بها علم أصول الحديث واستبان، وافتضح بها جهله واستكان، ولقد يصدق الناظر فيها المثل السائر: " كم ترك الأول للآخر؟ "، وسميتها " وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ".
فدونك كلمات ينزر عددها ويغزر مددها، تكسبك خلة الأولياء، وتلبسك حلة الأنبياء، وترشدك إلى طرق النقل والتحصيل، وتخرج قوتك القريبة إلى الفعل الجميل.
[ومما حثني على تأليف هذه الرسالة - بعد هربي من أهل الطغيان والنفاق - وأوجبه علي - بعد اتصالي بدولة الإيمان والوفاق - ما شاهدته من إقبال أهلها على اقتباس الفقه والحديث وحسن سلوكهم، وتحققت به صدق المثل السائر: " الناس على دين ملوكهم "!
فيا لله من دولة صافية المشارع، ضافية المزارع، ماتعة الظل، بحورها زاخرة، وبدورها زاهرة!
دولة ملك تزجى الركائب إلى حرمه، وترجى (1) الرغائب من كرمه، وتنزل المطالب بساحته، وتستنزل الراحة من راحته، قد بلغ نهاية الأطوار، وبلغ غاية الأوطار، فهو قبلة الصلات إن لم يكن قبلة الصلاة، وكعبة المحتاج إن لم يكن كعبة الحجاج، ومشعر الكرام إن لم يكن المشعر الحرام، ومنى الضيف إن لم يكن منى الخيف، بابه غير مرتج عن كل مرتج، ونوابه (2) أي منهج لكل ذي منهج.
إذا غلقت أبواب قوم لعلة * فبابك مفتوح وليس بمرتج وسيفك موقوف على طلب العلى * وسيبك موقوف على كل مرتج فهو للأرزاق في الخصب والجدب قاسم، وللأعمار بالحرب والضرب قاصم، فمنحه رغائب، ومحنه غرائب، قد أصبح لحجم الكفر ماحيا، ولحمى الإيمان حاميا، بهمته تعزل السماك الأعزل لسموها، وتجر على المجرة ذيل علوها.