" اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا " (1).
وروينا من غير طريق محمد بن يعقوب بسندنا المتصل إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " رحم الله خلفائي! " قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟
قال: " قوم يأتون من بعدي يروون آثاري وسنتي يعلمونها الناس " (2).
وروينا أيضا من غير طريقه بسندنا المتصل إلى جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه (عليهم السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سارعوا في طلب العلم؛ فلحديث واحد عن صادق خير من الدنيا وما فيها " (3).
وجب على كل ذي لب وحمية في الدين صرف العناية إلى البحث عن طرق أحاديثهم وراويها، وكيفية الاستدلال بها، واصطلاح الفرقة الناجية فيها.
وكنت ممن من الله عليه، فصرف فيها جملة من زمانه، ووجه إليها عنان قلبه ويده ولسانه، ورأيت فن أصول الحديث قد اندرس في ما بيننا رسمه وامحى اسمه، بل ذهب في زماننا هذا علمه وظنه ووهمه، ولم يزل سلفنا الماضون يعتنون بشأنه، ويبنون إفادة الأحاديث واستفادتها على قواعد بنيانه، فلقد كانت قواعده بينهم متداولة غنية عن التعريف، وإن لم يفردوا لها كتابا بالتأليف، لكنهم ضمنوا كتبهم الأصولية والفقهية وكتب الحديث والرجال كثيرا من ذلك، ولبعد ما بين مظانها تتعسر الإحاطة بها على مريد سلوك هذه المسالك، مع أنهم تركوا كثيرا من قواعده لم يكتبوها؛ وإن كانت متداولة بينهم يعرفها ذووها.
فجمعت من مظان ذلك شوارد يعسر جمعها، وقيدت منه أوابد يكثر نفعها، فجاءت في الحقيقة أنور من نور الحديقة، وفي نظر العين أنضر من نظرة العين،