أيضا بحديث عائشة الآتي، وسيأتي الجواب عنه. (والحاصل) أن قوله: لا صيام نكرة في سياق النفي، فيعم كل صيام، ولا يخرج عنه إلا ما قام الدليل على أنه لا يشترط فيه التبييت، والظاهر أن النفي متوجه إلى الصحة لأنها أقرب المجازين إلى الذات، أو متوجه إلى نفي الذات الشرعية، فيصلح الحديث للاستدلال به على عدم صحة صوم من لا يبيت النية إلا ما خص كالصورة المتقدمة. والحديث أيضا يرد على الزهري وعطاء وزفر لأنهم لم يوجبوا النية في صوم رمضان وهو يدل على وجوبها.
ويدل أيضا على الوجوب حديث: إنما الأعمال بالنيات. والظاهر وجوب تجديدها لكل يوم، لأنه عبادة مستقلة مسقطة لفرض وقتها، وقد وهم من قاس أيام رمضان على أعمال الحج باعتبار التعدد للأفعال، لأن الحج عمل واحد، ولا يتم إلا بفعل ما اعتبره الشارع من المناسك، والاخلال بواحد من أركانه يستلزم عدم إجزائه.
قوله: يجمع أي يعزم، يقال: أجمعت على الامر أي عزمت عليه. قال المنذري:
يجمع بضم الياء آخر الحروف وسكون الجيم من الاجماع وهو أحكام النية والعزيمة، يقال: أجمعت الرأي وأزمعت بمعنى واحد.
وعن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم من شئ؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذن صائم، ثم أتانا يوما آخر فقلنا:
يا رسول الله أهدي لنا حيس فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائما فأكل رواه الجماعة إلا البخاري. وزاد النسائي: ثم قال: إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها. وفي لفظ له أيضا: قال: يا عائشة إنما منزلة من صام في غير رمضان أو في التطوع بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء فأمضاه وبخل منها بما شاء فأمسكه قال البخاري: وقالت أم الدرداء: كان أبو الدرداء يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا لا قال: فإني صائم يومي هذا قال: وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وابن عباس وحذيفة رضي الله عنهم.
الرواية الأولى أخرجها أيضا الدارقطني والبيهقي، وفي لفظ لمسلم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدخل على بعض أزواجه فيقول: هل من غداء؟ فإن قالوا لا، قال: فإني صائم وله ألفاظ عنده. ورواه أبو داود وابن حبان والدارقطني بلفظ:
كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتينا فيقول: هل عندكم من غداء؟ فإن قلنا: نعم