الأصول. والحق أن قول الصحابي من السنة ينصرف إلى سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد صرح هذان الصحابيان بأن الافطار للمسافر قبل مجاوزة البيوت من السنة.
باب جواز الفطر للمسافر إذا دخل بلدا ولم يجمع إقامة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزا غزوة الفتح في رمضان وصام حتى إذا بلغ الكديد الماء الذي بين قديد وعسفان فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر رواه البخاري. ووجه الحجة منه أن الفتح كان لعشر بقين من رمضان، هكذا جاء في حديث متفق عليه.
الكديد وقديد قد تقدم ضبطهما وتفسيرهما. والحديث يدل على أن المسافر إذا أقام ببلد مترددا جاز له أن يفطر مدة تلك الإقامة، كما يجوز له أن يقصر، وقد عرفناك في باب قصر الصلاة أمن حط رحله في بلد وأقام به يتم صلاته لان مشقة السفر قد زالت عنه، ولا يقصر إلا إلى مقدار المدة التي قصر فيها صلى الله عليه وآله وسلم مع إقامته، ولا شك أن قصره صلى الله عليه وآله وسلم في تلك المدة لا ينفي القصر فيما زاد عليها، ولكن ملاحظة الأصل منعت من مجاوزتها، لأن القصر للمقيم لم يشرعه الشارع فلا يثبت له إلا بدليل، وقد دل الدليل على أنه يقصر في مثل المدة التي أقام فيها صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقدم الخلاف في مقدارها فيقتصر على ذلك. وهكذا يقال في الافطار: الأصل في المقيم أن لا يفطر لزوال مشقة السفر عنه إلا لدليل يدل على جوازه له، وقد دل الدليل على أن من كان مقيما ببلد وفي عزمه السفر يفطر مثل المدة التي أفطره صلى الله عليه وآله وسلم بمكة وهي عشرة أيام أو أحد عشر على اختلاف الروايات فيقتصر على ذلك، ولا يجوز الزيادة عليه إلا بدليل. (فإن قيل) الاعتبار بإطلاق اسم المسافر على المقيم المتردد وقد أطلقه عليه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنا قوم سفر، كما تقدم في القصر لا بالمشقة ولعدم انضباطها، قلنا: قد تقدم الجواب عن ذلك في القصر فليرجع إليه.