وروي عن أبي يوسف ورجحه الجلال قال: لأن المسكنة لازمة للفقير، إذ ليس معناها الذل والهوان، فإنه ربما كان بغنى النفس أعز من الملوك الأكابر، بل معناها العجز عن إدراك المطالب الدنيوية، والعاجز ساكن عن الانتهاض إلى مطالبه انتهى. وقيل: الفقير الذي يسأل والمسكين الذي لا يسأل، حكاه ابن بطال. وظاهره أيضا أن المسكين من اتصف بالتعفف وعدم الالحاف في السؤال، لكن قال ابن بطال بمعناه المسكين الكامل، وليس المراد نفي أصل المسكنة، بل هو كقوله: أتدرون من المفلس الحديث. وقوله تعالى:
* (ليس البر) * (البقرة: 189) الآية، وكذا قرره القرطبي وغير واحد. (ومن جملة) حجج القول الأول قوله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم أحيني مسكينا مع تعوذه من الفقر، والذي ينبغي أن يعول عليه أن يقال: المسكين من اجتمعت له الأوصاف المذكورة في الحديث، والفقير من كان ضد الغني كما في الصحاح والقاموس وغيرهما من كتب اللغة، وسيأتي تحقيق الغني، فيقال لمن عدم الغنى فقير، ولمن عدمه مع التعفف عن السؤال وعدم تفطن الناس له مسكين. وقيل: إن الفقير من يجد القوت والمسكين من لا شئ له. وقيل: الفقير المحتاج، والمسكين من أذلة الفقر، حكى هذين صاحب القاموس.
وعن أنس: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع وعن عبد رواه أحمد وأبو داود.
وفيه تنبيه على أن الغارم لا يأخذ مع الغني الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي رواه الخمسة إلا ابن ماجة والنسائي، لكنه لهما من حديث أبي هريرة ولأحمد الحديثان. وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار: أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألانه من الصدقة فقلب فيهما البصر ورآهما جلدين فقال: إن شئتما أعطيتكما ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقال أحمد: هذا أجودها إسنادا.
حديث أنس أخرجه أيضا ابن ماجة والترمذي وحسنه وقال: لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان انتهى. والأخضر بن عجلان قال يحيى بن معين: صالح.
وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه. وحديث عبد الله بن عمر وحسنه الترمذي وذكر أن شعبة لم يرفعه وفي إسناده ريحان بن يزيد وثقه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم