كالبلد الواحد، إذ حكمه نافذ في الجميع، قاله ابن الماجشون. وثالثها: أنها إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا، وإن تباعدت فوجهان لا يجب عند الأكثر قاله بعض الشافعية، واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب، وحكاه البغوي عن الشافعي، وفي ضبط البعيد أوجه.
أحدها: اختلاف المطالع قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في الروضة وشرح المهذب. ثانيها: مسافة القصر قطع به البغوي وصححه الرافعي والنووي. ثالثها:
باختلاف الأقاليم حكاه في الفتح. رابعها: أنه يلزم أهل كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض دون غيرهم، حكاه السرخسي. خامسها: مثل قول ابن الماجشون المتقدم.
سادسها: أنه لا يلزم إذا اختلفت الجهتان ارتفاعا وانحدارا، كأن يكون أحدهما سهلا والآخر جبلا، أو كان كل بلد في إقليم، حكاه المهدي في البحر عن الامام يحيى والهادوية.
وحجة أهل هذه الأقوال حديث كريب هذا. ووجه الاحتجاج به أن ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام، وقال في آخر الحديث: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدل ذلك على أنه قد حفظ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر. (واعلم) أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس والمشار إليه بقوله: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هو قوله: فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، والامر الكائن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين. وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد، بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين، فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم، لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم، ولو سلم توجه الإشارة في كلام ابن عباس إلى عدم لزوم رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر لكان عدم اللزوم مقيدا بدليل العقل، وهو أن يكون بين القطرين من البعد ما يجوز مع اختلاف المطالع، وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع عدم البعد الذي يمكن معه الاختلاف عمل بالاجتهاد وليس بحجة، ولو سلم عدم لزوم التقييد بالعقل فلا يشك عالم أن الأدلة قاضية بأن أهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض، وشهادته في جميع الأحكام الشرعية والرؤية من جملتها، وسواء كان بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع أم لا، فلا يقبل التخصيص إلا بدليل، ولو سلم صلاحية