أسرد الصوم وقد جعل المصنف رحمه الله تعالى هذا الحديث قوي الدلالة على فضيلة الفطر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح فأثبت للاخذ بالرخصة الحسن وهو أرفع من رفع الجناح. وأجاب الجمهور بأن هذا فيمن يخاف ضررا أو يجد مشقة كما هو صريح في الأحاديث، وقد أسلفنا تحقيق ذلك. قوله: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فيه دليل على أن الفطر لمن وصل في سفره إلى موضع قريب من العدو أولى، لأنه ربما وصل إليهم العدو إلى ذلك الموضع الذي هو مظنة ملاقاة العدو، ولهذا كان الافطار أولى ولم يتحتم، وأما إذا كان لقاء العدو متحققا فالافطار عزيمة، لأن الصائم يضعف عن منازلة الاقران، لا سيما عند غليان مراجل الضراب والطعان، ولا يخفى ما في ذلك من الإهانة لجنود المحقين وإدخال الوهن على عامة المجاهدين من المسلمين. (فائدة) المسافة التي يباح الافطار فيها هي المسافة التي يباح القصر فيها، والخلاف هنا كالخلاف هناك، وقد قدمنا تحقيق ذلك في باب القصر فليرجع إليه.
باب من شرع في الصوم ثم أفطر فيومه ذلك عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأفطر بعضهم وصام بعضهم، فبلغه أن ناسا صاموا فقال: أولئك العصاة رواه مسلم والنسائي والترمذي وصححه. وعن أبي سعيد، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نهر من ماء السماء والناس صيام في يوم صائف مشاة ونبي الله صلى الله عليه وآله وسلم على بغلة له فقال: اشربوا أيها الناس، قال: فأبوا، قال: إني لست مثلكم إني أيسركم إني راكب فأبوا، فثنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخذه فنزل فشرب وشرب الناس وما كان يرى أن يشرب. وعن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى مر بغدير في الطريق وذلك في نحر الظهيرة قال: فعطش الناس فجعلوا يمدون أعناقهم وتتوق