أحدهما اسمها والآخر لقبها، أو كانتا جميعا حاضرتين. قوله: تبكين أو لا تبكين قيل: هذا شك من الراوي هل استفهم أو نهى؟ والظاهر أنه ليس بشك، وإنما المراد به التخيير، والمعنى أنه مكرم بصنيع الملائكة وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه، ومن كان بهذه المثابة تظله الملائكة بأجنحتها لا ينبغي أن يبكى عليه بل يفرح له بما صار إليه. وفيه إذن بالبكاء المجرد مع الارشاد إلى أولوية الترك لمن كان بهذه المنزلة. قوله:
إياكن ونعيق الشيطان هو النوح والصراخ المنهي عنه بالأحاديث الآتية.
قوله: إنه مهما كان من العين والقلب الخ، فيه دليل على جواز البكاء المجرد عما لا يجوز من فعل اليد، كشق الجيب واللطم، ومن فعل اللسان كالصراخ ودعوى الويل والثبور ونحو ذلك.
وعن ابن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية فقال: قد قضي؟ فقالوا: لا يا رسول الله، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأى القوم بكاءه بكوا قال: ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب؟ ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم. وعن أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيا لها في الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شئ عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب، فعاد الرسول فقال: إنها أقسمت لتأتينها، قال:
فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقام مع سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل، قال:
فانطلقت معهم فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه، فقال سعد:
ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء متفق عليهما.