حديث أبي الدرداء هذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوعا، وقد قيل: إن هذا السفر هو غزوة الفتح وهو وهم لأن أبا الدرداء ذكر ابن عبد الله بن رواحة كان صائما في هذا السفر، وهو استشهد بموته قبل غزوة الفتح بلا خلاف، وإن كانتا جميعا في سنة واحدة. وأيضا الذين صاموا في غزوة الفتح جماعة من الصحابة، ولم يستثن أبو الدرداء في هذه الرواية مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا عبد الله بن رواحة.
(وفي هذا الحديث) دليل على أنه لا يكره الصوم لمن قوي عليه. قوله: في السفر في رواية للبخاري وابن خزيمة أنها غزوة الفتح. قوله: ورجلا قد ظلل عليه زعم مغلطاي أنه أبو إسرائيل وعزا ذلك إلى مبهمات الخطيب، ولم يقل ذلك في هذه القصة، وإنما قاله في قصة الذي نذر أن يصوم ويقوم في الشمس، وكان ذلك يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب. قال الحافظ: لم نقف على اسم هذا الرجل. قوله: ليس من البر الخ، قد أشار البخاري إلى أن السبب في قوله صلى الله عليه وآله وسلم هذه المقالة هو ما ذكر من المشقة التي حصلت للرجل الذي ظلل عليه. وفي ذلك دليل على أن الصيام في السفر لمن كان يشق عليه ليس بفضيلة.
(وقد اختلف السلف) في هذه المسألة أعني صوم رمضان في السفر فقالت طائفة:
لا يجزئ الصوم عن الفرض، بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر، وهو قول بعض الظاهرية، وحكاه في البحر عن أبي هريرة وداود والامامية. قال في الفتح:
وحكي عن عمر وابن عمرو وأبي هريرة والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم انتهى.
واحتجوا بقوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * (البقرة: 184) قالوا: لأن ظاهر قوله فعدة أي فالواجب عليه عدة، وتأوله الجمهور بأن التقدير فأفطر فعدة. واحتجوا أيضا بما في حديث ابن عباس المذكور في الباب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفطر في السفر وكان ذلك آخر الامرين، وأن الصحابة كانوا يأخذون بالآخر، فالآخر من فعله، فزعموا أن صومه صلى الله عليه وآله وسلم في السفر منسوخ، وأجاب الجمهور عن ذلك بأن هذه الزيادة مدرجة من قول الزهري كما جزم بذلك البخاري في الجهاد، وكذلك وقعت عند مسلم مدرجة، وبأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صام بعد هذه القصة كما في حديث أبي سعيد المذكور في آخر الباب بلفظ: ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول