فما الدليل على حل ذلك لغيرها في غير آل فلان؟ وللشارع أن يخص من العموم ما شاء، وقد استشكل القاضي عياض هذا الحديث ولا مقتضي لذلك، فإن للشارع أن يخص من شاء بما شاء. وقد ورد لعن النائح والمستمعة من حديث أبي سعيد عند أحمد، ومن حديث ابن عمر عند الطبراني والبيهقي. ومن حديث أبي هريرة عند ابن عدي، قال الحافظ في التلخيص: وكلها ضعيفة. وأخرج مسلم من حديث أم عطية أيضا قالت: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع البيعة أن لا ننوح، فما وفت منا امرأة إلا خمس، فذكرت منهن أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ وثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمر رجلا أنه ينهي نساء جعفر عن البكاء كما في البخاري ومسلم، والمراد بالبكاء ههنا النوح كما تقدم.
وعن أنس قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة: واكرب أبتاه، فقال: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة: أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التراب رواه البخاري. وعن أنس: أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه ووضع يديه على صدغيه وقال: وا نبياه وا خليلاه وا صفياه رواه أحمد.
قوله في حديث أنس الأول: واكرب أبتاه قال في الفتح: في هذا نظر، وقد رواه مبارك بن فضالة عن ثابت بلفظ: وا كرباه. قوله: أطابت أنفسكم قال في الفتح: ولسان حال أنس لم تطب أنفسنا لكن قهرناها امتثالا لامره.
وقد قال أبو سعيد: ما نفضنا أيدينا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا. ومثله عن أنس يريد أن تغيرت عما عهدنا من الألفة والصفاء والرقة لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم. ويؤخذ من قول فاطمة الخ جواز ذكر الميت بما هو متصف به إن كان معلوما، قال الكرماني: وليس هذا من نوح الجاهلية من الكذب ورفع الصوت وغيره، إنما هو ندبة مباحة انتهى. وعلى فرض صدق اسم النوح في لسان الشارع على مثل هذا، فليس في فعل فاطمة وأبي بكر دليل على جواز ذلك، لأن فعل الصحابي لا يصلح للحجية كما تقرر في الأصول ويحمل ما وقع منهما على أنهما لم يبلغهما أحاديث النهي عن ذلك