وأخرج هذا الحديث الدارقطني في غرائب مالك. وقد أخرج الموطأ من حديث سعيد بن سعد بن عبادة: أنه خرج سعد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه وحضرت أمه الوفاة بالمدينة فقيل لها: أوصي، فقالت: فيما أوصي والمال مال سعد، فتوفيت قبل أن يقدم سعد فذكر الحديث. وقد قيل: إن الرجل المبهم في حديث عائشة وفي حديث ابن عباس وهو سعد بن عبادة، ويدل على ذلك أن البخاري أورد بعد حديث عائشة حديث ابن عباس بلفظ: أن سعد بن عبادة قال: إن أمي ماتت وعليها نذر وكأنه رمز إلى أن المبهم في حديث عائشة هو سعد. وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل إليهما ثوابها، فيخصص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى: * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) * (النجم: 39) ولكن ليس في أحاديث البا ب إلا لحوق الصدقة من الولد، وقد ثبت أن ولد الانسان من سعيه، فلا حاجة إلى دعوى التخصيص، وأما من غير الولد فالظاهر من العمومات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت فيوقف عليها حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها. وقد اختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل يصل إلى الميت؟ فذهبت المعتزلة إلى أنه لا يصل إليه شئ، واستدلوا بعموم الآية. وقال في شرح الكنز: إن للانسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة كان أو صوما، أو حجا، أو صدقة، أو قراءة قرآن، أو غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه عند أهل السنة انتهى. والمشهور من مذهب الشافعي وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن، وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل، كذا ذكره النووي في الأذكار. وفي شرح المنهاج لابن النحوي لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور، والمختار الوصول إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته، وينبغي الجزم به لأنه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعي فلان يجوز بما هو له أولى، ويبقى الامر فيه موقوفا على استجابة الدعاء، وهذا المعنى لا يختص بالقراءة، بل يجري في سائر الأعمال، والظاهر أن الدعاء متفق عليه أنه ينفع الميت والحي القريب والبعيد بوصية وغيرها. وعلى ذلك أحاديث كثيرة، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب انتهى. وقد حكى النووي في شرح مسلم الاجماع على وصول الدعاء إلى الميت، وكذا حكي أيضا الاجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصل ثوابها، ولم يقيد ذلك بالولد. وحكي أيضا الاجماع على لحوق قضاء
(١٤٢)