ويجاب عنه بأن الاذن العام مخصص بهذا النهي الخاص المستفاد من اللعن، أما على مذهب الجمهور فمن غير فرق بين تقدم العام وتأخره ومقارنته وهو الحق. وأما على مذهب البعض القائلين بأن العام المتأخر ناسخ فلا يتم الاستدلال به إلا بعد معرفة تأخره. ومنها ما رواه مسلم عن عائشة قالت: كيف أقول يا رسول الله إذا زرت القبور؟ قال: قولي:
السلام على أهل الديار من المؤمنين الحديث. ومنها ما أخرجه البخاري: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتقي الله واصبري قالت: إليك عني الحديث ولم ينكر عليها الزيارة. ومنها ما رواه الحاكم أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده قال القرطبي: اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك، وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الاذن لهن، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء انتهى. وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون رواه أحمد ومسلم والنسائي. ولأحمد من حديث عائشة مثله وزاد: اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم.
وعن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية رواه أحمد ومسلم وابن ماجة.
حديث عائشة أخرجه أيضا مسلم بلفظ: قول السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون وأخرج أيضا عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلما كان ليلتها منه يخرج إلى البقيع من آخر الليل فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون، وإن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد. قوله: السلام عليكم دار قوم مؤمنين دار قوم منصوب على النداء أي يا أهل، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وقيل: منصوب على الاختصاص، قال صاحب المطالع: ويجوز جره على البدل من الضمير