باب استحباب زيارة القبور للرجال دون النساء وما يقال عند دخولها عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة رواه الترمذي وصححه. وعن أبي هريرة قال: زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت رواه الجماعة.
الحديث الأول أخرجه أيضا مسلم وأبو داود وابن حبان والحاكم، والحديث الثاني عزاه المصنف إلى الجماعة بدون استثناء، ولم أجده في البخاري ولا عزاه غيره إليه فينظر. وقد أخرجه أيضا الحاكم. (وفي الباب) عن ابن مسعود عند ابن ماجة والحاكم وفي إسناده أيوب بن هانئ مختلف فيه. وعن أبي سعيد الخدري عند الشافعي وأحمد والحاكم. وعن أبي ذر عند الحاكم وسنده ضعيف. وعن علي بن أبي طالب عليه السلام عند أحمد. وعن عائشة عند ابن ماجة. (وهذه الأحاديث) فيها مشروعية زيارة القبور ونسخ النهي عن الزيارة، وقد حكى الحازمي والعبدري والنووي اتفاق أهل العلم على أن زيارة القبور للرجال جائزة. قال الحافظ: كذا أطلقوه وفيه نظر، لان ابن أبي شيبة وغيره رووا عن ابن سيرين وإبراهيم النخعي والشعبي أنهم كرهوا ذلك مطلقا، حتى قال الشعبي: لولا نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزرت قبر ابنتي، فلعل من أطلق أراد بالاتفاق ما استقر عليه الامر بعد هؤلاء، وكأن هؤلاء لم يبلغهم الناسخ والله أعلم.
وذهب ابن حزم إلى أن زيارة القبور واجبة ولو مرة واحدة في العمر لورود الامر به، وهذا يتنزل على الخلاف في الامر بعد النهي هل يفيد الوجوب أو مجرد الإباحة فقط، والكلام في ذلك مستوفى في الأصول. قوله: فقد أذن لمحمد الخ فيه دليل على جواز زيارة قبر القريب الذي لم يدرك الاسلام. قال القاضي عياض: سبب زيارته صلى الله عليه وآله وسلم قبرها أنه قصد قوة الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها، ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله وسلم في