يتوجه النهي لوجوب حمل كلام الشارع على مقتضى اللغة العربية عند عدم وجود اصطلاح له يخالفه. وقال في الفتح: إنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، وكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق. وقال ابن المرابط:
إن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح، وإن كان فيه إدخال الكرب والمصاب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته، وتهيئة أمره، والصلاة عليه، والدعاء له والاستغفار، وتنفيذ وصاياه، وما يترتب على ذلك من الاحكام انتهى. ويستدل لجواز مجرد الاعلام بحديث أنس المذكور في الباب فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بقتل الثلاثة الامراء المقتولين بموتة وقصتهم مشهورة وهم: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة. وبحديث أبي هرير: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه كما تقدم وقد بوب عليه البخاري باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه وبحديث أبي هريرة وغيره: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عند أن أخبر بموت السوداء أو الشاب الذي كان يقم المسجد:
ألا آذنتموني وقد تقدم. وفي حديث ابن عباس: ما منعكم أن تعلموني؟ وقد بوب عليه البخاري باب الاذن بالجنازة. وبحديث الحصين بن وحوح، وقد تقدم في باب المبادرة إلى تجهيز الميت، فهذه الأحاديث تدل على أن مجرد الاعلام بالموت لا يكون نعيا محرما، وإن كان باعتبار اللغة مما يصدق عليه اسم النعي ما تقدم ويؤيد ذلك ما رواه سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي وابن سيرين كما سلف. وقال ابن العربي، يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات، الأولى: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة. والثانية: الدعوة للمفاخرة بالكثرة فهذا مكروه. الثالثة:
الاعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم انتهى. (فالحاصل) أن الاعلام للغسل والتكفين والصلاة والحمل والدفن مخصوص من عموم النهي، لأن إعلام من لا تتم هذه الأمور إلا مما وقع الاجماع على فعله في زمن النبوة وما بعده وما جاوز هذا المقدار فهو داخل تحت عموم النهي.