وفي نقل الاجماع نظر، لأن إبراهيم بن علية وأبا بكر بن كيسان الأصم قالا: إن وجوبها نسخ، واستدل لهما بما روى النسائي وغيره عن قيس بسعد بن عبادة قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله. قال: وتعقب بأن في إسناده راويا مجهولا، وعلى تقدير الصحة فلا دليل فيه على النسخ لاحتمال الاكتفاء بالامر الأول، لان نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر. ونقل المالكية عن أشهب أنها سنة مؤكدة، وهو قول بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية قالوا: ومعنى قوله في الحديث فرض أي قدر وهو أصله في اللغة كما قال ابن دقيق العيد، لكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب فالحمل عليه أولى. وقد ثبت أن قوله تعالى: * (قد أفلح من تزكى) * (الأعلى: 14) نزلت في زكاة الفطر كما روى ذلك ابن خزيمة. قوله: زكاة الفطر أضيفت الزكاة إلى الفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان، كذا قال في الفتح. وقال ابن قتيبة: والمراد بصدقة الفطر صدقة النفوس مأخوذ من الفطرة التي هي أصل الخلقة. قال الحافظ:
والأول أظهر. ويؤيده قوله في بعض طرق الحديث: زكاة الفطر في رمضان. وقد استدل بقوله: زكاة الفطر على أن وقت وجوبها غروب الشمس ليلة الفطر لأنه وقت الفطر من رمضان، وقيل: وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد، لأن الليل ليس محلا للصوم، وإنما يتبين الفطر الحقيقي بالاكل بعد طلوع الفجر، والأول قول الثوري وأحمد وإسحاق والشافعي في الجديد وإحدى الروايتين عن مالك، والثاني قول أبي حنيفة والليث والشافعي في القديم، والرواية الثانية عن مالك وبه قال الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله، ويقويه قوله في حديث ابن عمر الآتي: أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، ولكنها لم تقيد القبلية بكونها في يوم الفطر.
قال ابن دقيق العيد: الاستدلال بقوله: زكاة الفطر على الوقت ضعيف لأن الإضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب، بل تقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان، وأما وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر. قوله: صاعا من تمر أو صاعا من شعير قال في الفتح: انتصب صاعا على التمييز أو أنه مفعول ثان. قوله: على العبد والحر ظاهره يدل على أن العبد يخرج عن نفسه ولم يقل به إلا داود فقال: يجب على السيد أن يمكن عبده من الاكتساب لها: ويدل على ما ذهب إليه الجمهور من كون الوجوب على