يدل على ذلك كله إجماع أصحابنا ونفي الدليل الشرعي على وقوعه مع اختلال بعض الشروط، ولا يقدح فيما اعتمدناه من الاجماع خلاف من خالف من أصحابنا بوقوع الظهار مع الشرط وثبوت حكمه مع تعلق اللفظ بغير الظهر وإضافته إلى غير الأم من المحرمات ونفى وقوعه بغير المدخول بها ووقوعه بملك اليمين لتميزه من جملة المجمعين باسمه ونسبه، على أن قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم، ينافي تعليقه بغير الظهر وعدم وقوعه بغير المدخول بها لأن الظهار مشتق من لفظ الظهر على ما قدمناه وغير المدخول بها توصف بأنها من نساء الزوج حسب ما بيناه.
فإذا تكاملت شروط الظهار حرمت الزوجة عليه، فإن عاد لما قال بأن يريد استباحة الوطء لزمه أن يكفر قبله بعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا لأن هذه الكفارة عندنا على الترتيب، ولا يحرم عليه تقبيلها ولا ضمها ولا عناقها.
وقال بعض أصحابنا: يحرم عليه تقبيلها قبل أن يكفر كما يحرم وطؤها، واستدل بقوله تعالى:
من قبل أن يتماسا، وهذا لا دلالة فيه لأن المسيس هاهنا بلا خلاف المراد به الوطء.
ويستدل على أن العود شرط في وجوب الكفارة بظاهر القرآن لأنه لا خلاف أن المظاهر لو طلق قبل الوطء لا يلزمه الكفارة، وهذا يدل على أن الكفارة لا يجب بنفس الظهار، ويدل على أن العود ما ذكرناه أن الظهار إذا اقتضى التحريم وأراد المظاهر الاستباحة وآثر رفعه كان عائدا لما قال، ومعنى: ثم يعودون لما قالوا، أي للمقول فيه كقوله سبحانه: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين، أي الموقن به كقوله ع: الراجع في هبته، أي في الموهوب وكذا يقال: اللهم أنت رجاؤنا، أي مرجونا. ولا يجوز أن يكون المراد بالعود الوطء على ما ذهب إليه قوم لأنه تعالى قال: فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، فأوجب الكفارة بعد العود وقبل الوطء فدل على أنه غيره، ولا يجوز أن يكون العود إمساكها زوجة مع القدرة على الطلاق على ما قاله الشافعي لأن العود يجب أن يكون رجوعا إلى ما يخالف مقتضى الظهار، وإذا لم يقتض فسخ النكاح لم يكن العود الإمساك عليه، ولأنه تعالى قال: ثم يعودون لما قالوا، وذلك يقتضي التراخي. والقول بأن العود هو البقاء على النكاح قول بحصوله عقيب الظهار من غير فصل وهو بخلاف الظاهر.