وقوله تعالى: فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا، يدل على أن الوطء في عقد الشبهة لا يحل للزوج الأول لأن الطلاق لا يلحق نكاح الشبهة، وإنما جعل الظن شرطا لأنه في المستقبل فلا يحصل العلم به، ومعناه إن عرفا من أخلاقهما وطرائقهما ما يقوي في ظنونهما أنهما يقومان بحدود الله تعالى.
فصل:
وقوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف، يدل على صحة المراجعة بعد التطليقة الأولى وقبل انقضاء العدة، وكذلك يدل على صحة المراجعة بعد التطليقة الثانية قبل انقضاء العدة من غير اعتبار رضا المرأة إذا لم يكن خلعا لأنه تعالى قال: فإمساك بمعروف، وهو المراجعة ولم يعتبر رضاها، والتراجع الذي ذكره الله تعالى في قوله: فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا، هو أن يتعاقدا بعد العدة من موت الزوج الثاني أو طلاقه بمهر جديد وعقد مستأنف، ورضاها لا بد منه هاهنا لأنه الآن خاطب من الخطاب وهي أجنبية وقد أشار إليه بقوله: أن يتراجعا، واعتبر هاهنا في التراجع فعليهما وما اعتبر في التراجع هناك بقوله:
فإمساك، إلا فعله.
ثم قال تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، والمعنى إذا بلغن قرب انقضاء عدتهن لأن بعد انقضاء العدة ليس له إمساك، والإمساك أيضا هاهنا هو المراجعة قبل انقضاء العدة، وبه قال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة، وعلى هذا يقال لمن دنا من البلد فلان بلغ البلد.
والمراد بالمعروف هاهنا الحق الذي يدعو إليه العقل أو الشرع للمعرفة بصحته خلاف المنكر الذي يزجر عنه العقل أو السمع لاستحالة المعرفة بصحته، فما يجوز المعرفة بصحته معروف وما لا يجوز المعرفة بصحته منكر. والمراد به هاهنا أن يمسكها على الوجه الذي أباحه الله له من القيام بما يجب لها من النفقة وحسن العشرة وغير ذلك، ولا يقصد الإضرار بها.