فصل:
أما قوله: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فالمعنى فيه التطليقة الثالثة على ما روي عن أبي جعفر ع، وبه قال الضحاك والسدي والجبائي والنظام وغيرهم، وقال مجاهد: هو تفسير لقوله: أو تسريح بإحسان، فإنه التطليقة الثالثة وهو اختيار الطبري.
وقوله: فإن طلقها، يعني الزوج إن بانت منه بأن يختر أن يراجعها في الثالث: فلا تحل له، أي فلا يجوز نكاحها ولا جماعها: حتى تنكح زوجا غيره، أي حتى تتزوج زوجا آخر فيطأها ذلك الزوج، لأن المراد بالنكاح هاهنا الجماع لا التزويج وإن كان الأصل في النكاح التزوج، لأنهم أجمعوا على أنه إن تزوجت ولم تجامع لم تحل لنكاح الزوج الأول، وأهل المدينة اختلفوا في النكاح أ أصله الجماع أم التزويج؟ وعند أكثر الكوفيين أن أصله الجماع وتسمية التزويج به كما يسمى الشئ باسم ما هو من سببه.
وصفة الزوج الذي يحل المرأة للزوج الأول أن يكون بالغا ويعقد عليها عقدا صحيحا دائما ويذوق عسيلتها بأن يطأها وتذوق عسيلته بلا خلاف بين أهل العلم.
ولا يجوز لأحد أن يتزوجها في العدة، فأما العقود الفاسدة أو عقود الشبهة فإنما لا تحل للزوج الأول ومتى وطئها بعقد صحيح في زمان يحرم فيه وطؤها مثل أن تكون حائضا أو محرمة أو معتكفة فإنها تحل للأول لأن الوطء يدخل في نكاح صحيح وإنما حرم الوطء لأمر طارئ عليه، هذا عند أكثر أهل العلم، وقال مالك: الوطء في الحيض لا يحل للأول وإن وجب به المهر كله والعدة.
ثم قال تعالى: فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله، بين سبحانه أن الزوج الثاني إن طلقها فلا حرج على الزوج الأول إذا خرجت هي من عدة الزوج الثاني ورأيا أمارة الخير بينهما وظنا الصلاح لأنفسهما بعد ذلك في التزويج أن يتراجعا بعقد مستأنف، وموضع " أن يتراجعا " خفض عند الخليل وتقديره في أن يتراجعا وقال الزجاج موضعه النصب، وموضع أن الثانية نصب بلا خلاف يظن وإنما جاز حذف في " أن يتراجعا " لطولها بالصلة ولو كان مصدرا لم يجز.