كذلك لوجود الآثار المختلفة والمتضادة فيه، بأنه يبيض في البحر تارة، وفي البر أخرى، أو يتمكن من أن يعيش في الماء دائما، كما أنه يتمكن من إدامة الحياة في البر كذلك، أو للشك في مفهوم البحر من جهة السعة والضيق (1) فهل يتمسك في مثل المورد بعموم حرم عليكم صيد البر فيحكم بالحرمة، أو بعموم أحل لكم صيد البحر فيجوز قتله وأكله، فيه تردد ومنشأه أنه إن قيل إن العام في حرمة الصيد إنما قيد بكونه غير بحري لقوله تعالى أحل لكم صيد البحر، فكان الحرام من الصيد متقيد بكونه غير بحري، ولا علم لهذا القيد إلا بعد احراز كونه بريا، فإذا شك في وجود القيد وتقيد الصيد به يشمله العموم لعدم انعقاد الظهور للعام إلا فيما هو بري قطعا، فلا يكون حراما على المحرم.
وإن قلنا إن الصيد حرام على المحرم قتله وأكله على نحو العموم الساري في جميع مصاديق الصيد، لقوله تعالى ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، الظاهر في حرمة كل من الصنفين، ولكن المخصص المنفصل الآخر، أخرج صيد البحر عن تحت حكم العام، وحكم بحليته، وخصص الحرمة بالبري من الصيد وقد تقرر في الأصول أن المخصص إذا كان مجملا بحسب المفهوم، لا يجوز تخصيص العام إلا بما هو المتيقن دخوله تحت عموم المخصص، ويبقى غيره سليما عن التخصيص والمعارض، ولا يسري الاجمال في دليل المخصص إلى العام، لانفصاله عنه، وعدم اتصاله به، وانعقاد الظهور فيه، كما لو قال أكرم العلماء ثم ورود دليل آخر، لا تكرم الفساق منهم، وتردد الفسق بين مرتكب الكبيرة والصغيرة، يؤخذ بالقدر المتيقن من المخصص وهو مرتكب الكبيرة، ويبقى مرتكب الصغيرة تحت عموم العام ويتبع ظهوره فيه، وما نحن فيه أيضا كذلك