وهذه المسألة مورد للابتلاء في عصرنا فإن كثيرا من المسؤولين لأمور الحجاج يخرجون من مكة بعد أعمال العمرة إلى جدة أو إلى النواحي، قد يخرجون من الحرم وقد لا يخرجون، فهل عليهم أن لا يخرجوا أصلا أو يرجعوا إلى مكة باحرام إذا خرجوا منها أو إذا خرجوا من الحرم بعد مضي شهر.
قال بعض العلماء لا يجوز لهم الخروج من مكة، وقال آخر: لا يجوز لهم الخروج من الحرم وأما لو خرج منه ورجع بعد مضي شهر يجب الاحرام لا قبله وقد تقدم عن المدارك أنه إذا خرج من مكة ولم يخرج من الحرم لا يجب عليه الاحرام.
وأشكل عليه بأن اطلاق الدليل الدال على وجوب الاحرام على من يريد دخول مكة يشمل المورد فإن كان هنا اجماع على عدم الاحرام أو سيرة يعمل به وإلا فمقتضى الدليل وجوبه.
قد يقال إن المراد من مكة في النصوص الدالة على حرمتها ما يشمل الحرم ولذا ذكر فيها عدم تنفير الصيد وغيره مما هو من أحكام فمع فرض عدم الخروج من الحرم لا يجب الاحرام كما لو أراد من يسكن في آخر محلة من محلات مكة أن يدخل المسجد، إذ لا يجب عليه الاحرام إذا أراد الطواف.
وقد يدعى أن العمرة ليست له ميقات في الحرم فلا يجب على من يعيش في داخل الحرم أو يسكن في مكة الاحرام إذا لم يخرج عن الحرم لانصراف الدليل الدال على وجوب الاحرام إلى من يدخل مكة من المواقيت ولا أقل من أدنى الحل الخارج عن الحرم فالأدلة منصرفة عن الذي لم يخرج من الحرم.
وفيه أن هذا ليس مما يوجب الانصراف فإن من يجب عليه الاحرام يجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل مع التمكن وإلا أحرم من مكانه كغيره ممن يجب عليه الاحرام، فما نحن فيه أيضا كذلك فإنه بعد وجوب الاحرام وشمول الدليل يخرج إليه ويحرم منه ثم يدخل مكة مع التمكن، إن لم يكن اجماع في البين على