قلنا: هذا اعتذار، تركه أعود على من اعتذر له به، وذلك أن هذا ماء وجوده كعدمه، لأن شاهد الحال وقرينة الحكم يدل على وجود الماء الطاهر، فمع وجود القرينة لم يحتج إلى إهراق هذا الماء، ولو عرى الكلام من شاهد الحال لما جاز التيمم، لأن اسم الماء ينطلق على الطاهر والنجس.
وإذا أخبره عدل بنجاسة الماء، لم يجز قبول قوله، ولا يجوز له التيمم. فإن كانا عدلين يحكم بنجاسة الماء، لأن وجوب قبول شهادة الشاهدين والحكم به معلوم في الشرع. وإن كان الطريق إلى صدقهما مظنونا، ولا يلتفت إلى قول من يقول في كتابه إن شهادة الشاهدين تطرح ويستعمل الماء، فإن الأصل الطهارة، ولا يرجع عن المعلوم بالمظنون، وهو شهادة الشاهدين، لأن أكثرها يثمر الظن، وهذا ليس بشئ يعتمد، بل الشارع جعل الأصل، لأن قبول شهادة الشاهدين، وجوب العمل بهما في الشريعة، فقد نقلنا من معلوم إلى معلوم، ولو سلكنا هذا الطريق، مضى معظم الشريعة، فإنه كان يقال ويحتج بأن الأصل أن لا صوم واجب في شهر رمضان، فمن أوجبه فقد رجع عن الأصل الذي هو الإباحة أو لا تكليف، فلأن الأصل وجوب صوم رمضان، فمن ادعى سقوطه عن المكلفين به يحتاج إلى دليل.
وإذا شهد شاهدان بأن النجاسة في أحد الإناءين، وشهد آخران بأنه وقع في الآخر، فإن كانتا - أعني الشهادتين - غير متنافيتين، ويمكن الجميع بينهما بأن يشهد هذان بولوغ الكلب في هذا الإناء في صدر النهار، والآخران يشهدان بولوغ كلب آخر، أو ولوغ ذلك الكلب في الإناء الآخر عند سقوط الشمس، فقد نجسا معا بغير خلاف عند التأمل للأقوال.
وإن كان لا يمكن الجمع بينهما، وهو أن يشهد اثنان بولوغ كلب معين في أحد الإناءين عند زوال الشمس بلا تأخير، وشهد آخران بولوغ ذلك الكلب بعينه في الإناء الآخر في ذلك الوقت بلا تأخير، فقد قال الشيخ أبو جعفر