والخصوص قوله تعالى: " ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن " (1). فلو قضينا بالعموم في الآية الأولى لرفعنا حكم آية الحيض جملة ولو تركنا العمل بأحدهما لخالفنا الأمر في قوله تعالى: " واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم " (2) فلم يبق إلا القضاء بالخصوص على العموم حسب ما بيناه.
فلما قال الشارع: إذا وقع في البئر إنسان ومات فيها، يجب نزح سبعين دلوا، علمنا أن هذا عموم، ولما أجمعنا على أنه إذا باشرها كافر وجب نزح جميع مائها، علمنا أنه خصوص، لأن الإنسان على ضربين: مسلم محق، وكافر مبطل هذا إنسان، وهذا إنسان بغير خلاف، فانقسم الإنسان إلى قسمين، والكافر لا ينقسم، لا يقال: هذا كافر وليس هذا بكافر، فإن أريد بالكافر الإنسان على القسمين معا كان مناقضة في الأدلة، والأدلة لا تتناقض، فلم يبق إلا أنه أراد بالإنسان ما عدا الكافر الذي هو أحد قسمي الإنسان، وما هذا إلا كإستدلالنا كلنا على المعتزلة في تعلقهم بعموم آيات الوعيد، مثل قوله تعالى: " وإن الفجار لفي جحيم " (3) ففجار أهل الصلاة داخلون في عموم الآية، فيجب أن يدخلوا النار ولا يخرجوا منها فجوابنا لهم: إن الفجار على ضربين: فاجر كافر، وفاجر مسلم، وقد علمنا بالأدلة القاهرة من أدلة العقول التي لا يدخلها الاحتمال إن فاجر أهل الصلاة غير مخلد في النار، وهو مستحق للثواب بإيمانه، قال الله تعالى في آية أخرى: " جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأويهم جهنم وبئس المصير " (4)، فعلمنا أن الفجار في الآية من عدا فجار أهل الصلاة من فجار الكفار، لأنه ليس كل فاجر كافرا وكل كافر فاجرا، فأعطينا كل آية حقها وكنا عاملين بهما جميعا فالعموم قد يخص بالأدلة لأنه لا صيغة له عندنا.