الطوسي رحمه الله في مسائل الخلاف (1): سقطت شهادتهما، وأطلق القول، ولم يفصل هل الشهادة على وجه يمكن الجمع بينهما، أو على وجه لا يمكن الجمع بينهما؟ فإن أراد على وجه يمكن الجمع بينهما، فهذا لا يصح، ولا يجوز القول به، لأن وجوب قبول شهادة الشاهدين في الشرع معلوم. وإن أراد على وجه لا يمكن الجمع بينهما، فإن ذلك مذهب الشافعي في تقابل البينتين، فإنه يسقطهما، ويرجع إلى الأصل، وهو ما كان قبل الشهادتين فيحكم به.
فأما مذهب أصحابنا في هذه المسألة فمعروف، إذا تقابل البينتان، ولم يترجح إحداهما على الأخرى بوجه من الوجوه، وأشكل الأمر، فإنهم يرجعون إلى القرعة، لأن أخبارهم ناطقة متظاهرة متواترة، في أن كل أمر مشكل فيه القرعة (2)، وهم مجمعون على ذلك، وهذا أمر مشكل، ولم يرد فيه نص معين، فهو داخل في عموم قولهم عليهم السلام.
والذي أعتمده ويقوى عندي: أن لا تؤثر هذه الشهادة في هذا الماء شيئا، لأن الأصل فيه الطهارة والأصل أيضا الإباحة، فمن حظر استعماله ونجسه، يحتاج إلى دليل شرعي، وليس للقرعة هاهنا طريق، لأن القرعة تستعمل في مواضع مخصوصة، ولا أحد من أصحابنا قال: إذا اشتبهت الأواني، أو الثياب، أو كان أحد الإناءين، نجسا والآخر طاهرا، وكذلك الثوبان اختلطا ولم يتحقق النجس منهما من الطاهر، يقرع بينهما، بل أطبقوا على ترك استعمال الإناءين، ومسألتنا لم نتحقق نجاسة واحد من الإناءين، وليس الرجوع إلى شهادة العدلين بأولى من شهادة العدلين الآخرين، وإنما حصل شك في نجاسة أحدهما، ولا يرجع بالشك عن اليقين الذي هو الطهارة والإباحة.