سطر واحد قد تبلغ في " السرائر " صفحة مثلا، ومن هذا القبيل: مسألة طهارة الماء المتنجس إذا تمم كرا بماء متنجس أيضا، فقد حكم الشيخ في " المبسوط " ببقاء الماء على النجاسة ولم يزد على جملة واحدة في توضيح وجهة نظره، وأما ابن إدريس فقد اختار طهارة الماء في هذه الحالة، وتوسع في بحث المسألة، ثم ختمه قائلا: " ولنا في هذه المسألة منفردة نحو من عشر ورقات قد بلغنا فيها أقصى الغايات، وحججنا القول فيها والأسئلة والأدلة والشواهد من الآيات والأخبار ".
ونلاحظ في النقاط التي يختلف فيها ابن إدريس مع الشيخ الطوسي اهتماما كبيرا منه باستعراض الحجج التي يمكن أن تدعم وجهة نظر الطوسي وتفنيدها.
وهذه الحجج التي يستعرضها ويفندها إما أن تكون من وضعه وإبداعه يفترضها افتراضا ثم يبطلها لكي لا يبقى مجالا لشبهة في صحة موقفه، أو أنها تعكس مقاومة الفكر التقليدي السائد لآراء ابن إدريس الجديدة، أي أن الفكر السائد استفزته هذه الآراء وأخذ يدافع عن آراء الشيخ الطوسي، فكان ابن إدريس يجمع حجج المدافعين ويفندها. وهذا يعني أن آراء ابن إدريس كان لها رد فعل وتأثير معاصر على الفكر العلمي السائد الذي اضطره ابن إدريس للمبارزة.
ونحن نعلم من " كتاب السرائر " أن ابن إدريس كان يجابه معاصريه بآرائه ويناقشهم، ولم يكن منكمشا في نطاق تأليفه الخاص، فمن الطبيعي أن يثير ردود الفعل وأن تنعكس ردود الفعل هذه على صورة حجج لتأييد رأي الشيخ.
كما نلمح في بحوث ابن إدريس ما كان يقاسيه من المقلدة الذين تعبدوا بآراء الشيخ الطوسي، وكيف كان يضيق بجمودهم. ففي مسألة تحديد مقدار الواجب نزحه من البئر إذا مات فيها كافر، يرى ابن إدريس أن الواجب نزح جميع ما في البئر، بدليل أن الكافر إذا باشر ماء البئر وهو حي وجب نزحها جميعا اتفاقا، فوجوب نزح الجميع إذا مات فيها أولى. وإذا كان هذا الاستدلال - الاستدلال بالأولوية - يحمل طابعا عقليا جزئيا بالنسبة إلى مستوي العلم الذي عاصره ابن