ابن إدريس وابن زهرة:
مر علينا في مشايخه: أبو المكارم حمزة الحسيني، وهو حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي (ت 585) عم تلميذه: محمد بن عبد الله بن زهرة، وهو صاحب كتاب " غنية النزوع إلى علمي الفروع والأصول " (1).
" ونحن إذا لاحظنا أصول ابن زهرة وجدنا فيه ظاهرة مشتركة بينه وبين فقه (تلميذه) ابن إدريس تميزهما عن عصر التقليد المطلق للشيخ، وهذه الظاهرة المشتركة هي: الخروج على آراء الشيخ والأخذ بوجهات نظر تتعارض مع موقفة الأصولي أو الفقهي، وكما رأينا ابن إدريس يحاول في " السرائر " تفنيد ما جاء في فقه الشيخ من أدلة، كذلك نجد ابن زهرة يناقش في " الغنية " الأدلة التي جاءت في كتاب " العدة " ويستدل على وجهات نظر معارضه، بل يثير أحيانا مشاكل أصولية جديدة لم تكن مثارة من قبل في كتاب " العدة " بذلك النحو.
ولا بأس أن نذكر مثالين أو ثلاثة للمسائل التي اختلف فيها رأي ابن زهرة عن رأي الشيخ:
فمن ذلك: مسألة دلالة الأمر على الفور، فقد كان الشيخ يقول بدلالته على الفور، وأنكر ابن زهرة ذلك وقال: إن صيغة الأمر حيادية لا تدل على فور ولا تراخ ومن ذلك أيضا: مسألة اقتضاء النهي عن المعاملة لفسادها، فقد كان الشيخ يقول بالاقتضاء، وأنكر ابن زهرة ذلك، مميزا بين مفهومي: الحرمة والفساد، ونافيا للتلازم بينهما.