عليكم، ولكان هذا أيضا إلى العلم بتحريمه وارتفاع الشك والتجويز.
فليس متناول العلم هنا متناول الظن على ما يعتقده قوم لا يتأملون، لأن متناول الظن هنا هو صدق الراوي إذا كان واحدا، ومتناول العلم هو تحريم الفعل المخصوص الذي تضمنه الخبر، وما علمناه غير ما ظنناه. وكذلك في القياس متناول الظن شبه الفرع بالأصل في علة التحريم، ومتناول العلم كون الفرع محرما.
وإنما منعنا من القياس في الشريعة وأخبار الآحاد - مع تجويز العبادة (التعبد) بهما من طريق العقول - لأن الله تعالى ما تعبد بهما، ولا نصب دليلا عليهما، ومن هذا الوجه طرحنا العمل بهما ونفينا كونهما طريقين إلى التحريم والتحليل.
قال المرتضى " قدس سره ": " وإنما أردنا بهذه الإشارة أن أصحابنا كلهم سلفهم وخلفهم، متقدمهم ومتأخرهم يمنعون من العمل بأخبار الآحاد ومن العمل بالقياس في الشريعة، ويعيبون أشد عيب على الراغب إليهما والمتعلق في الشريعة بهما، حتى صار هذا المذهب - لظهوره وانتشاره - معلوما ضرورة منهم وغير مشكوك فيه من أقوالهم ".
وبعد نقل كلام السيد " قدس سره " قال ابن إدريس: " هذا آخر كلام المرتضى " رحمه الله " حرفا فحرفا. فعلى الأدلة المتقدمة أعمل وبها آخذ وأفتي وأدين الله تعالى، ولا ألتفت إلى سواد مسطور وقول بعيد عن الحق مهجور، ولا " أقلد " إلا الدليل الواضح والبرهان اللائح، ولا أعرج إلى أخبار الآحاد، فهل هدم الإسلام إلا هي، وهذه المقدمة أيضا من جملة بواعثي على وضع كتابي هذا، ليكون قائما بنفسه ومقدما في جنسه، وليغني الناظر فيه - إذا كان له أدنى طبع - عن أن يقرأه على من فوقه، وإن كان لأفواه الرجال معنى لا يوصل إليه أكثر الكتب في أكثر الأحوال " (1).