الممكنات باعتبار السبب واجب فلو اطلعنا على جميع أسباب شئ واحد وعلمنا وجودها قطعنا بوجود ذلك الشئ لأنه صار واجبا باعتبار وجود أسبابه والأول تعالى يعلم الحوادث المستقبلة بأسبابها لان الأسباب والعلل ترتقى إلى الواجب الوجود وكل حادث ممكن فهو بسببه واجب ولو لم يجب بسببه لما وجد وسببه أيضا واجب بغيره إلى أن ينتهى إلى مسبب الأسباب من غير سبب فلما كان هو عالما بترتب الأسباب كان عالما بلا وصمه شك يعتريه والمنجم لما تفحص عن بعض أسباب الوجود ولم يطلع على جميعها لا جرم يحكم بوجود الشئ ظنا وتخمينا لأنه يجوز ان ما اطلع عليها ربما يعارضه مانع فلا يكون ما ذكره كل السبب بل ذلك مع انتفاع المصادمات والمعارضات فان اطلع على أكثر الأسباب قوى ظنه وان اطلع على الكل حصل له العلم كما يعلم في الشتاء ان الهواء سيحمى بعد سته اشهر لان سبب الحمى كون الشمس قريب الممر من سمت الرأس وذلك في وسط البروج الشمالية لسكان الأقاليم الشمالية ويعلم بحكم الأوضاع السماوية وعاده الله فيها وسنه الله التي لا تبديل لها ان الشمس لا يتغير مسيرها وانها ستعود إلى الأسد بعد هذه المدة وسنزيدك ايضاحا لهذا من ذي قبل في كيفية علم الله تعالى بالمتغيرات إن شاء الله تعالى.
ثم قد يطلق الامكان ويراد به الامكان الاستعدادي الذي هو تهيؤ المادة واستعدادها لما يحصل لها من الصور والاعراض وهو كيفية استعدادية من عوارض المادة تقبل التفاوت شده وضعفا بحسب القرب من الحصول والبعد عنه لأجل تحقق الأكثر والأقل مما لا بد منه (1) وهو ليس من المعاني العقلية الانتزاعية التي لا حصول لها خارج العقل كالسوابق من معاني الامكان بل إنه مما يحدث بحدوث بعض الأسباب والشرائط وينقطع استمراره بحدوث الشئ كزوال النقص بعد حصول التام ورفع الابهام عند تعين الامر على ما في فلسفتنا من أن نسبه المادة باستعدادها إلى الشئ الحادث نسبه النقص إلى التمام كما سيتضح في موعده إن شاء الله تعالى وهذا الامكان لا يعد من الجهات بل يجعل محمولا أو جزئه