الظهور والخفاء بالنسبة إلى الأشخاص فيلزم أن يكون شخص واحد في دعوى واحدة مدعيا عند حاكم ومنكرا عند آخر. وكذا لا وجه لما قد يقال: المدعي من يطلب منه البينة بخلاف المنكر، إذ الكلام في تعيين المدعي حتى يطلب منه البينة; مع أنه قد يصدق المدعي ولا يطلب منه البينة، بل يقدم قوله للدليل - كما في الودعي إذا ادعى الرد أو التلف - وقد يطلب منه الحلف كما في اليمين المردودة واليمين مع الشاهد الواحد.
ثم إنه لا يخفى: أنه ليس المراد من هذه التعريفات بيان معنى لفظ «المدعي» والمفهوم العرفي منه، بل المراد بيان مصاديقه، فلا وجه للإيراد عليها بأنه لم يثبت حقيقة شرعية في لفظ المدعي ولا مجاز شرعي، وإلا فمن المعلوم أن مفهومه غير المذكورات، إذ هو مشتق من الدعاء أو الدعوة بمعنى الطلب وهي تختلف بحسب المتعلق فيقال: دعا زيدا، أي طلبه. ودعا له، أي طلب أمرا خيرا له. ودعا عليه، أي طلب سوءا عليه. ودعا منه، أي طلب منه. وأدعي، أي أخبر بمطلب كما إذا قال: السماء فوقنا. وادعى عليه، أي طلب منه شيئا على ضرره.
(مسألة 2): لا يخفى أنه قد يختلف صدق المدعي والمنكر بحسب مصب الدعوى، مثلا إذا اختلفا في أنه باعه كذا أو وهبه إياه، فإن لم يكن نظرهما إلا إلى تعيين أن الواقع هو البيع أو الهبة يكون كل منهما مدعيا ومنكرا، وإن كان مصب الدعوى والغرض منها ثبوت العوض وعدمه، فبناءا على جريان قاعدة احترام المال وأنه لا يذهب عبثا يكون المدعي من يقول بالهبة، وبناءا على عدم ثبوتها وجريان أصالة البراءة عن الشغل بالعوض يكون المدعي من يقول بالبيع. وإن كان مصبها جواز استرداد ذلك المال وعدمه، يكون المدعي من يقول بالهبة، فإنه يدعي جواز الرجوع. وإن كان مصبها ضمان العين وعدمه إذا تبين فساد المعاملة وقد تلف العين، كان المدعي من يقول بالبيع، لأنه يدعي