قوم مرهوب جانبهم شديد بأسهم كثير جمعهم مظاهرون لأمم العالم وأجياله من العرب والفرس ويونان والروم لكنهم لما أصابهم الفناء وتلاشت عصابتهم بما حصل لهم من ترف الملك والدول التي تكررت فيهم قلت جموعهم وفنيت عصابتهم وعشائرهم وأصبحوا خولا للدول وعبيدا للجباية واستنكف كثير من الناس عن النسب فيهم لاجل ذلك والا فقد كانت أوربا أميرهم كسيلة عند الفتح كما سمعت وزناتة أيضا حتى أسر أميرهم وزمار بن مولات وحمل إلى المدينة إلى عثمان بن عفان ومن بعد ذلك هوارة وصنهاجة وبعدهم كتامة وما أقاموا من الدولة التي ملكوا بها المغرب والمشرق وزاحموا بنى العباس في ديارهم وغير ذلك منهم كثير وأما تخلقهم بالفضائل الانسانية وتنافسهم في الخلال الحميدة وما جبلوا عليه من الخلق الكريم مرقاة الشرف والرفعة بين الأمم ومراعاة المدح والثناء من الخلق من عز الجوار وحماية النزيل ورعى الأذمة والوسائل والوفاء بالقول والعهد والصبر على المكارم والثبات في الشدائد وحسن الملكة والاغضاء عن العيوب والتجافي عن الانتقام ورحمة المسكين وبر الكبير وتوقير أهل العلم وحمل الكل وكسب المعدوم وقرى الضيف والإعانة على النوائب وعلو الهمة وإباية الضيم ومشاقة الدول ومقارعة الخطوب وغلاب الملك وبيع النفوس من الله في نصر دينه فلهم في ذلك آثار نقلها الخلف عن السلف لو كانت مسطورة لحفظ منها ما يكون أسوة لمتبعيه من الأمم وحسبك ما اكتسبوه من حميدها واتصفوا به من شريفها أن قادتهم إلى مراقي العز وأوفت بهم على ثنايا الملك حتى علت على الأيدي أيديهم ومضت في الخلق بالقبض والبسط أحكامهم وكان مشاهيرهم بذلك من أهل الطبقة الأولى فلكين بن زيرى الصنهاجي عامل إفريقية للعبيديين ومحمد من خزر والخير ابنه وعروبة بن يوسف الكتامي القائم بدعوة عبد الله الشيعي ويوسف بن تاشفين ملك لمتونة بالمغرب وعبد المؤمن بن علي شيخ الموحدين وصاحب الامام المهدى وكان عظماؤهم من أهل الطبقة الثانية السابقون إلى الراية بين دولهم والمعاهدون لملكهم بالمغرب الأقصى والأوسط كبيرهم يعقوب بن عبد الحق سلطان بنى مرين ويغمراسن بن زيان سلطان بنى عبد الواد ومحمد بن عبد القوى ووزمار كبير بنى توجين وثابت بن منديل أمير مغراوة أهل شلف ووزمار بن إبراهيم زعيم بنى راشد المتعارضين في أزمانهم المتناغين في تأثيل عزهم والتمهيد لقومهم على شاكلته بقوة جمعه فكانوا من أرسخهم في تلك الخلال قدما وأطولهم فيها يدا وأكثرهم لها جمعا طارت عنهم في ذلك قبل الملك وبعده أخبار عنى بنقلها الاثبات من البربر وغيرهم وبلغت في الصحة والشهرة منتهى التواتر وأما اقامتهم لمراسم الشريعة وأخذهم باحكام الملة ونصرهم
(١٠٤)