في مؤنة حركتهم وترجع بقومها فأسعفها السلطان لما كان العرب اعتزموا على الانصراف إلى مشاتيهم وبعث مشيخة الفقهاء لعقد الصلح في ربيع الأول سنة تسع وستين فتولى عقده وكتابه القاضي ابن زيتون لخمسة عشر عاما وحضر أبو الحسن علي بن عمرو وأحمد بن الغماز وزيان بن محمد بن عبد القوى أمير بنى توجين واختص جرون صاحب صقلية بسلم عقده على جزيرته وأقلع النصارى بأساطيلهم وأصابهم عاصف من الريح أشرفوا منه على العطب وهلك الكثير منهم واغرم السلطان الرعايا ما أعطى العدو من المال فأعطوه طواعية يقال إنه عشرة أحمال من المال وترك النصارى بقرطاجنة تسعين منجنيقا وخاطب السلطان صاحب المغرب وملوك النواحي بالخبر ودفاعه عن المسلمين وما عقده من الصلح وأمر بتخريب قرطاجنة وأن يؤتى بنيانها من القواعد فصير أبنيتها طامسة ورجع الفرنجة إلى دعوتهم فكان آخر عهدهم بالظهور والاستفحال ولم يزالوا في تناقص وضعف إلى أن افترق ملكهم عمالات واستبد صاحب صقلية لنفسه وكذا صاحب نائل وحنوة وسردانية وبقي بيت ملكهم الأقدم لهذا العهد على غاية من الفشل والوهن والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين أصل هذا الرجل من بنى سعيد رؤسا القلعة المجاورة لغرناطة وكان كثير منهم قد استعملوا أيام الموحدين بالعدوتين وكان جده أبو الحسن سعيد صاحب الاشغال بالقيروان ونشأ حافده محمد هذا في كفالته ولما عزل وقفل إلى المغرب هلك ببونة سنة أربع وستمائة ورجع حافده محمد إلى تونس والشيخ أبو محمد بن أبي حفص صاحب إفريقية لذلك العهد فاعتلق بخدمة ابنه أبى زيد ولما ولى الامر بعد وفاة أبيه غلب محمد هذا على هواه ثم جاء السيد أبو على من مراكش وعلى إفريقية محمد بن أبي الحسين في جملته إلى أن هلك في حصار هسكورة بمراكش كما قدمناه ورجع ابن أبي الحسين إلى تونس واتصل بالأمير أبى زكريا لأول استبداده فغلب على هواه وكان منحتا في صحابة الملوك ولما ولى المستنصر أجراه على سنته برهة ثم تنكر له اثر كائنة اللحياني وعظمت سعاية أعدائه من الباطنية وأشاعوا مداخلته لابي القاسم بن عزومة أبى زيد ابن الشيخ أبى محمد فنكبه السلطان واعتقله بداره تسعة أشهر ثم سرحه واعاده إلى مكانه وثأر من أعدائه واستولى على أمور السلطان إلى أن هلك سنة احدى وتسعين وكلف ابن عمه سعيد بن يوسف بن أبي الحسن اشغال الحضرة وكان قد اقتنى مالا جسيما ونال من الحضرة منالا عظيما وكان الرئيس أبو عبد الله متفننا في العلوم مجيدا في اللغة والشعر ينظم فيجيد وينتر فيحسن وله من التآليف كتاب ترتيب المحكم لابن سيده على نسق
(٢٩٤)