لهم ولما استولى السلطان على الامر ورشح ابنه أبا فارس للعهد وأجراه على سنين الوزارة فاصطنع أحمد بن سيد الناس ونوه باسمه وخلع عليه ملبوس كرامته واختصه بلقب حجابته وأخوه أبو الحسين يناهضه في ذلك عنوة ونفس ذلك عليهما البطانة فأغروا السلطان أبا إسحاق ثانية وخوفوه شأنه وان أحمد بن سيد الناس داخله في التوثب بالدولة وتولى كبر هذه السعاية عبد الوهاب بن قائد الكلاعي من علية الكتاب ووجوههم كان يكتب للعامة يومئذ فسطا السلطان بابن سيد الناس سنة تسع وستين آخر ربيع استدعى إلى باب القصر فتعاورته السيوف هبرا ووري شلوه ببعض الحفر وبلغ الخبر إلى الأمير أبى فارس فركب إلى أبيه في لبوس الحزن فعزاه أبوه عن ذلك بأنه ظهر لابن سيد الناس على المكر والخديعة بالدولة وأماط سواده بيده ونجا أبو الحسين من هذه المهلكة واعتقل في لمة من رجال الأمير أبى فارس بعد أن توارى أياما إلى أن أطلق من محبسه وكان من أمره ما نذكره بعد واستبلغ السلطان في تأنيس ابنه ومسح الضغينة عن صدره فعقد له على بجاية وأعمالها وأنفذه إليها أميرا مستقلا وأنفذ معه في رسم الحجابة جدي محمد ابن صاحب اشغاله أبى بكر بن الحسن بن خلدون فخرج إليها سنة تسع وستين وقام بأمرها ولم يزل أميرا بها إلى آخر دولته كما نذكر والله أعلم اسم هذا الرجل أبو بكر بن موسى بن عيسى ونسبته في كوميه من بيوت الموحدين كان مستخدما لابن كلداني الوالي بقسنطينة فكان له غناء وصداقة وولاه السلطان أبو اسحق حافظا على قسنطينة واتصلت ولايته وهلك المستنصر واضطربت الأحوال ثم ولاه الواثق ثم السلطان أبو اسحق وكان ابن وزير هذا طموعا جموعا لأموال الناس لا يمل وعلم أن قسنطينة معقل ذلك النصر وحصنه فحدثته نفسه بالامتناع بها والاستبداد على الدولة وساء أثره في أهلها فرفعوا أمرهم إلى السلطان أبى اسحق واستعدوه فلم يعدهم لما رأى من مخايل الحرابة من الطاغية وكتب هو بالاعتذار والنكير لما جاء به فتقبله وأعطى له من هنياته ولما مر به الأمير أبو فارس إلى محل امارته من بجاية سنة تسع وسبعين قعد عن لقائه وأوفد إليه جمعا من الصلحاء بالمعاذير والاستعطاف فمنحه من ذلك كفاء مرضاته حتى إذا أبعد الأمير أبو فارس إلى بجاية اعتزم على الانتزاء كاتب ملك أرغون في جيش من النصارى يكون معهم في ثغره يردد بهم الغزو على أن يكون فيما زعموا داعية له فأجابه ووعده ببعث الأسطول إليه فجاهر بالخلعان وانتزى بثغر قسنطينة داعيا لنفسه آخر سنته وزحف إليه الأمير أبو فارس من بجاية في عساكره واحتشد الاعراب وفرسان القبائل إلى أن احتل بميلة ووفد عليه من
(٣٠٠)