إلى سواحل الشام وطمع فيها فلما وصل أمر الروم بالقسطنطينة ورومة واستفحل ملك الفرنجة هؤلاء وكان ذلك على هيئة سمو الخلافة بالمشرق فسموا حينئذ إلى التغلب على معاقل الشأم وثغوره وزحفوا إليها وملكوا الكثير منها واستولوا على المسجد الأقصى وبنوا فيه الكنيسة العظمى بدل المسجد ونازلوا مصر والقاهرة مرارا حتى جاد الله للاسلام من صلاح الدين أبى أيوب الكردي صاحب مصر والشأم في أواسط المائة السادسة جنة واقية وعذابا على أهل الكفر مصبوبا فأبلى في جهادهم وارتجع ما ملكوه وظهر المسجد الأقصى من إفكهم وكفرهم وهلك على حين عمل من الغزو والجهاد ثم عاودوا الكرة ونازعوا مصر في المائة السابعة على عهد الملك الصالح صاحب مصر والشأم وأيام الأمير أبى زكريا بتونس فضربوا أبنيتهم بدمياط وافتتحوها وتغلبوا في قرى مصر وهلك الملك الصالح خلال ذلك وولى ابنه المعظم وأمكنت المسلمين في الغزو فرصة أيام فيض النيل ففتحوا الغياض وأزالوا مدد الماء فأحاط بمعسكرهم وهلك منهم عالم وقيد سلطانهم أسيرا من المعركة إلى السلطان فاعتقله بالإسكندرية حتى مر عليه بعد حين من الدهر وأطلقه على أن يمكنوا المسلمين من دمياط فوفوا له ثم على شرط المسالمة فيما بعد فنقضه لمدة قريبة واعتزم على الحركة إلى تونس متجنيا عليهم فيما زعموا بمال أدعياء تجار أرضهم وأنهم أقرضوا اللياني فلما نكبه السلطان طالبوه بذلك المال وهو نحو ثلاثمائة دينار بغير موجب يستندون إليه فغضبوا لذلك واشتكوا إلى طاغيتهم فامتعض لهم ورغبوه في غزو تونس لما كان فيها من المجاعة والموتان فأرسل الفرنسيس طاغية الإفرنج واسمه سنلويس بن يونس وتلقب بلغة الإفرنج ريدافرنس ومعناه ملك افرنس فأرسل إلى ملوك النصارى يستنفرهم إلى غزوها وأرسل إلى القائد خليفة المسيح بزعمهم فأوعز إلى ملوك النصرانية بمظاهرته وأطلق يده في أموال الكنائس مددا له وشاع خبر استعداد النصارى للغزو في سائر بلادهم وكان الذين أجابوه للغزو ببلاد المسلمين من ملوك النصرانية ملك الانكشار وملك اسكوسنا وملك نزول وملك برشلونة واسمه ريدراكون وجماعة آخرون من ملوك الإفرنج هكذا ذكر ابن الأثير وأهم المسلمين بكل نغر شأنهم وأمر السلطان في سائر عمالاته بالاستكثار من العدة وأرسل في الثغور لذلك باصلاح الأسوار واختزان الحبوب وانقبض تجار النصارى عن تعاهد بلاد المسلمين وأوفد السلطان رسله إلى الفرنسيس لاختبار حاله ومشارطته على ما يكف عزمه وحملوا ثمانين ألفا من الذهب لاستتمام شروطهم فيما زعموا فأخذ المال من أيديهم وأخبرهم أن غزوه إلى ارضهم فلما طلبوا المال اعتل عليهم بأنه لم يباشر قبضه ووافق شأنهم معه وصول رسول عن صاحب مصر فأحضر عند الفرنسيس واستجلس فأبى
(٢٩١)