الطاغية تسمى الرينة وصاحب البر الكبير وتسميهم العامة من أهل الاخبار ملوكا ويعنون انهم متباينون ظاهروا على غزو تونس وليس كذلك وانما كان واحدا وهو طاغية الفرنجة واخوته وبطارقته عد كل واحد منهم ملكا لفضل قوته وشدة بأسه فأنزلوا عساكرهم في المدينة القديمة من قرطاجنة وكانت مائلة الجدران اضطرم المعسكر بداخلها ووصلوا ما فصله الخراب من أسوارها بألواح الخشب ونضدوا شرفاتها وأداروا على السور خندقا بعيد المهوى وتحصنوا وندم السلطان على إضاعة الحزم في تخريبها أو دفاعهم عن نزلها وأقام ملك الفرنجة وقومه متمرسين بتونس ستة أشهر والمدد يأتيه في أساطيله من البحر من صقلية والعدوة بالرجل والأسلحة والأقوات وسلك بعض المسلمين طريقا في البحيرة واتبعه العرب فأصابوا غرة في العدو فظفروا وغنموا وشعروا بمكانهم فكلفوا بحراسة البحيرة وبعثوا فيها الشواني بالرماة ومنعوا الطريق إليهم وبعث السلطان في ممالكه حاشدا فوافته الامداد من كل ناحية ووصل أبو هلال صاحب بجاية وجاءت جموع العرب وسدويكش وولهاصة وهوارة حتى أمده ملوك المغرب من زناتة وسرح إليه محمد بن عبد القوى عسكر بنى توجين لنظر ابنه زيان وأخرج السلطان أبنيته وعقد لسبعة من الموحدين على سائر الجند من المرتزقة والمطوعة وهم إسماعيل بن أبي كلداسن وعيسى بن داود ويحيى بن أبي بكر ويحيى بن صالح وأبو هلال عياد صاحب بجاية ومحمد بن عبو وأمرهم كلهم راجع ليحيى بن صالح ويحيى ابن أبي بكر منهم واجتمع من المسلمين عدد لا يحصى وخرج الصلحاء والفقهاء والمرابطون لمباشرة الجهاد بأنفسهم والتزم السلطان القعود بإيوانه مع بطانته وأهل اختصاصه وهم الشيخ أبو سعيد المعروف بالعود وابن أبي الحسين وقاضيه أبو القاسم بن البراء وأخو العيش واتصلت الحرب والتقوا في منتصف محرم سنة تسع بالمنصف فزحف يومئذ يحيى بن صالح وجرون فمات من الفريقين خلق وهجموا على المعسكر بعد العشاء وتدامر المسلمون عنده ثم غلبوا عليه بعد أن قتل من النصارى زهاء خمسمائة فأصبحت أبنيته مضروبة كما كانت وأمر بالخندق على المعسكر فتعاورته الأيدي واحتفر فيه الشيخ أبو سعيد بنفسه وابتلى المسلمون بتونس وظنوا الظنون واتهم السلطان بالتحول عن تونس إلى القيروان ثم إن الله أهلك عدوهم وأصبح ملك الفرنجة ميتا يقال حتف أنفه ويقال أصابه سهم غرب في بعض المواقف فأبته ويقال أصابه مرض الوباء ويقال وهو بعيد ان السلطان بعث إليه مع ابن جرام الدلاصي بسيف مسموم وكان فيه مهلكه ولما هلك اجتمع النصارى على ابنه دمياط سمى بذلك لميلاده بها فبايعوه واعتزموا على الاقلاع وكان أمرهم راجعا إلى العلجة فراسلت المستنصر أن يبذل لها ما خسروه
(٢٩٣)