لذلك سائر البدو من الاعراب الذين في طاعته من بنى سليم ورياح بظعنهم فاهبطوا الحامية ونهض سنة تسع وثلاثين في عسكر ضخم وجيوش وافرة وسرح امام حركته عبد القوى بن العباس وأولاد منديل بن محمد لحشد من وافى بأوطانهم وذوبان قبائلهم وأحياء زغبة أحلافهم والعرب وضرب لهم موعدا لموافاتهم في تخوم بلادهم ولما نزل صحراء زامز قبلة تيطخ منتهى مجالات رياح وبنى سليم بالمغرب تثاقل العرب عن الرحلة بظعنهم في ركاب السلطان وتلووا بالمعاذير فالطف الأمير أبو زكريا الحيلة في استنهاضهم وتنبيه عزائمهم وارتحلوا معه حتى نازل تلمسان بجميع عساكر الموحدين بساحة البلد وبرز يغمراسن وجموعه للقاء بصحبتهم ناشبة السلطان بالنبل فانكشفوا ولاذوا بالجدران وعجزوا عن حماية الأسوار فاستمكنت المقاتلة من الصعود ورأى يغمراسن ان قد أحيط بالبلد فقصد باب العقبة من أبو أب تلمسان ملتفا في ذويه وخاصته واعترضته عساكر الموحدين فصمم نحوهم وجدل بعض أبطالهم فأفرجوا له ولحق بالصحراء وتسللت الجيوش إلى البلد من كل حرف فاقتحموه وعاثوا فيه بقتل النساء والصبيان واكتساح الأموال ولما تجلى غشى تلك الهيعة وحسر مثار الصدمة وخمدت نار الحرب راجع الموحدون بصائرهم وأمعن الأمير أبو زكريا نظره فيمن يقلده أمر تلمسان والمغرب الأوسط وينزله بثغرها لإقامة دعوة الدائلة من دعوة بنى عبد المؤمن والمدافعة عنها واستكبر ذلك أشرافهم وتدافعوه وتشرد له امراء زناتة ضعفا عن مقاومة يغمراسن وعلما بأنه الفحل الذي لا يقرع انفه ولا يطرق غيله ولا يصد عن فريسته وسرح يغمراسن الغارة في نواحي المعسكر واختطفوا الناس من حوله واطلعوا من المراقب عليه ثم بعث وفده متطارحين على السلطان في الملائمة والاتفاق واتصال اليد على صاحب مراكش طالبا الوتر في تلمسان وإفريقية وأن يفرده بالدعوة المحمدية فأجابه إلى ذلك ووفدت أمه سوط النساء للاشتراط والقبول فأكرم موصلها وأسنى جائزتها وأحسن وفادتها ومنقلبها وسوغ ليغمراسن في شرطه بعض الاعمال بإفريقية وأطلق أيدي عماله على جبايته وارتحل إلى حضرته لسبع عشرة ليلة من نزوله وفى أثناء طريقه وسوس إليه الموحدون باشتداد يغمراسن عليه وأشاروا بإقامة منافسيه من زناتة وامراء المغرب الأوسط شجا في صدره ومعترضا عن مرامه وألبسهم ما لبس من شارة السلطان وزيه فأجابهم وقلد كلا من عبد القوى ابن عطية التوجيني والعباس بن منديل المغراوي ومنصور الملكيشى أمر قومه ووطنه وعهد إليهم في ذلك وأذن لهم في اتخاذ الآلة والمراسم السلطانية على سنن يغمراسن قريعهم فاتخذوها بحضرته وبمشهد ملا من الموحدين وأقاموا مراسمها ببابه
(٢٨٧)