بالمعروف والنهى عن المنكر ما استطاع حتى لقى بسبب ذلك أذيات في نفسه احتسبها من صالح عمله ولما دخل بجاية وبها يومئذ العزيز بن المنصور بن الناصر بن علناس بن حمار من أمراء صنهاجة وكان من المقترفين فأغلظ له ولاتباعه بالنكير وتعرض يوما لتغيير بعض المنكرات في الطرق فوقعت بسببها هيعة نكرها السلطان والخاصة وائتمروا به فخرج منها خائفا ولحق بملاله على رسخ منها وبها يومئذ بنو ورياعل من قبائل صنهاجة وكان لهم اعتزاز ومنعة فآووه وأجاروه وطلبهم السلطان صاحب بجاية باسلامه إليه فأبوا وأسخطوه وأقام بينهم يدرس العلم أياما وكان يجلس إذا فرغ على صخرة بقارعة الطريق قريبا من ديار ملاله وهي لهذا العهد معروفة وهناك لقيه كبير صحابته عبد المؤمن بن علي حاجا مع عمه فأعجب بعلمه وانتهى عزمه عن وجهه ذلك واختص به وتشمر للاخذ عنه وارتحل المهدى إلى المغرب وهو في جملته ولحق بوانشريش صحبه منها البشير من جملة أصحابه ثم لحق بتلمسان وقد تسامع الناس بخبره فأحضره القاضي بها بن صاحب الصلاة ووبخه على منتحله ذلك وخلافه لأهل قطره وظن أن من العدل نزعه عن ذلك فصم عن قوله واستمر على طريقه إلى فاس ثم إلى مكناسة ونهى بها عن بعض المناكير فأوقع به الشر من الغوغا فأوجعوه ضربا ولحق بمراكش وأقام بها آخذا في شأنه ولقى علي بن يوسف بالمسجد الجامع في صلاة الجمعة فوعظه وأغلظ له القول ولقى ذات يوم الصورة أخت علي بن يوسف حاسرة قناعها على عادة قومها الملثمين في زي نسائهم فوبخها ودخلت على أخيها باكية لما نالها من تقريعه ففاوض الفقهاء في شأنه بما وصل إليه من شهرته وكانوا ملئوا منه حسدا وحفيظة لما كان ينتحل مذهب الأشعرية في تأويل المتشابه وينكر عليهم جمودهم على مذهب السلف في إقراره كما جاء ويرى ان الجمهور لقنوه تجسيما ويذهب إلى تكفيرهم بذلك أحد قولي الأشعرية في التكفير فمال إلى الرأي فأغروا الأمير به فأحضره للمناظرة معهم فكان له الفلج والظهور عليهم وخرج من مجلسه ونذر بالشر منهم فلحق من يومه بأغمات وغير المناكير على عادته وأغرى به أهلها علي بن يوسف وطيروا إليه بخبره فخرج منها هو وتلميذه الذين كانوا في صحابته ودعا إسماعيل بن أبكيك من أصحابه وهو من انجاد قومه وخرج به إلى منحاة من جبال المصامدة لحق أولا بمسفيوه ثم بهنتاتة ولقيه من أشياخهم عمر بن يحيى بن محمد بن وانودين بن علي وهو أبو حفص ويعرف بيته ابن هنتاتة ببني فاصكات وتقول نسابتهم ان فاصكات هو جد وانودين ويقال لهنتاتة بلسانهم هننى فلذلك كان يعرف عمر بهنتى وسيأتي الكلام في تحقيق نسبهم عند ذكر دولتهم ثم ارتحل المهدى عنهم إلى ايكيلين من بلاد هرغة فنزل على قومه وذلك سنة خمس عشرة وخمسمائة وبنى رابطة للعبادة
(٢٢٧)