فلما فرغ يوسف بن تاشفين من أهل الدمنة وأوقع بهم وافتتح حصن علودان من حصون غمارة من ورائه وانقاد المغرب لحربه صرف وجهه إلى سكوت فجهز إليه العساكر وعقد عليها للقائد صالح بن عمران من رجال لمتونة فتباشرت الرعايا بمقدمهم وانثالوا عليهم وبلغ الخبر إلى الحاجب سكوت فأقسم أن لا يسمع أحدا من رعيته هدير طبولهم ولحق هو بمدينة طنجة ثغر عمله وقد كان عليه من قبله ابنه ضياء الدولة المعز وبرز للقائهم فالتقى الجمعان بظاهر طنجة وانكشفت عساكر سكوت وطنت رحى المرابطين وسالت نفسه على ظباهم ودخلوا طنجة واستولوا عليها ولحق ضياء الدولة بسبتة ولما تكالب الطاغية على بلاد الأندلس وبعث ابن عباد صريخه إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين مستنجزا وعده في جهاد الطاغية والذب عن المسلمين وكاتبه أهل الأندلس كافة بالتحريض إلى الجهاد وبعث ابنه المعز سنة ست وسبعين في عسكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز فنازلها برا وأحاطت بها أساطيل ابن عباد بحرا واقتحموها عنوة وتقبض على ضياء الدولة ونبذ إلى المعز فطالبه بالمال لأنحائه فأساء فقتله لوقته وعثر على ذخائره وفيها خاتم يحيى بن علي بن حمود وكتب إلى أبيه بالفتح وانقرضت دولة بنى حمود وانمحى آثارهم وسلطانهم من بنى غمارة وأقاموا في طاعة لمتونة سائر أيامهم * ولما نجم المهدى بالمغرب واستفحل أمر الموحدين بعد مهلكه تنقل خليفته عبد المؤمن في بلادهم في غزاته الكبرى ففتح المغرب سنة سبع وثلاثين وما بعدها لما قبل استيلائه على مراكش كما نذكره في أخبارهم واتبعوا أثره ونازلوا سبتة في عساكره وامتنعت عليهم وتولى كبر امتناعها قائدهم عياض الطائر الذكر رئيسهم لذلك العهد بدينه وأبوته وعمله ومنصبه ثم افتتحت بعد فتح مراكش سنة احدى وأربعين فكانت هؤلاء للسابقة التي رعيت لهم سائر أيام الدولة ولما فشل أمر بنى عبد المؤمن وذهب ريحه وكثر الثوار بالقاصية ثار فيهم ابن محمد الكتامي سنة خمس وعشرين كان أبوه من قصر كتامة منقبضا عن الناس وكان ينتحل الكيميا وتلقنه عنه ابنه محمد هذا وكان يلقب أبا الطواحن فارتحل إلى سبتة ونزل على بنى سعيد وادعى صناعة الكيميا فاتبعه الغوغاء ثم ادعى النبوة وشرع شرائع وأظهر أنواعا من الشعبذة فكثر تابعه ثم اطلعوا على خبثه ونبذوا إليه عهده وزحفت عساكر سبتة إليه ففر عنها وقتله بعض البرابرة غيلة ثم غلب بنو مرين على بسائط المغرب وأمصاره سنة أربعين وستمائة واستولوا على كرسي الامر بمراكش سنة ثمان وستين فامتنع قبائل عمارة من طاعتهم واستعصوا عليهم وأقاموا بمنحاة من الطاعة وعلى ثبج من الخلاف وامتنعت سبتة من ورائهم على ملوك بنى مرين بسبب امتناعهم وصار أمرها إلى الشورى واستبد بها الفقيه أبو القاسم العزفي
(٢٢٢)