عملهم بها في الأمور الشرعية إذا كان لا يرضاه، وذلك أن ارتكازهم عليها ربما يوجب لهم المشي عليها في الشرعيات، بلا التفات إلى لزوم الإمضاء. فلئلا يلزم هذا المحذور فعليه إبداء المنع وعدم القبول إذا كان لا يرضاها. وكيف كان فعمل العقلاء بسيرتهم في محضره كاشف عن رضاه بها.
وأما دعوى الردع عنها هنا بالآيات الناهية عن العمل بغير العلم وبالظن فقد عرفت بطلانها عند التعرض للاستدلال بها على عدم حجية الأخبار الآحاد، فتذكر.
ومما ذكرنا تعرف أن ما في كلمات بعض الأعاظم (قدس سره) من إمكان الاستدلال في مورد واحد بسيرة العقلاء والمسلمين، وأنه من قبيل تعدد الدليل على أمر واحد ممنوع، إذ مع استقرار سيرة العقلاء على أمر فلا طريق ولا مجال للقول بأن للمسلمين أيضا بما أنهم مسلمون هذه السيرة، فلعل استقرارها لهم بما أنهم عقلاء، كما لا يخفى.
كما أن الفرق بين المعاملات وغيرها في أنه يمكن كشف الرضا في غير المعاملات من مجرد عدم الردع، بخلاف المعاملات فإنه لا بد من إمضائها، لأنها متقومة بالاعتبار، فلا بد أن يتعرض لإمضائها ليدل على اعتبار آثارها في الشرع أيضا ممنوع جدا، فإنه إذا كان الشارع أيضا يعتبر في محيط تشريعه عين هذه الآثار - كالملكية وحصول النقل والانتقال في بيع المعاطاة - فإذا لم يردع عنه كشف عدم ردعه عن إمضائه ورضاه بترتب الآثار المطلوبة في الشرع أيضا.
فقد تلخص صحة الاستدلال بسيرة العقلاء أيضا على حجية خبر الواحد الثقة، كما صح الاستدلال بالسنة والكتاب على ما عرفت، بل قد مر أن آيات الكتاب إمضاء لفظي لهذه السيرة العقلائية، وأنه ببركة هذه السيرة والارتكاز العقلائي تمت دلالة الآيات والروايات، وعرفت حدود مداليلها.
فأطبقت الأدلة الثلاثة جميعها - أعني الكتاب والسنة وسيرة العقلاء - على حجية خبر الآحاد الثقات.