ومنها: ما في موثقة حمران بن أعين المروية في البصائر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " أشار إلى بيت كبير وقال: يا حمران، إن في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعا بخط علي (عليه السلام) وإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولو ولينا الناس لحكمنا بينهم بما أنزل الله، لم نعد ما في هذه الصحيفة " (1).
فهذه الأخبار المعتبرة وأمثالها - وهي كثيرة - تدل على أن جميع أحكام الإسلام مبينة مضبوطة من زمن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، مودعة عند الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، فما يقولونه فهو نفس تلك الأحكام عينا، وبذلك يؤيد قوة ظهور الخصوصيات في أنها أحكام الله تعالى من الزمن الأول، ويضعف احتمال النسخ جدا.
وفي بعض هذه الأخبار مثل روايات ذكرت فيها الجامعة دلالة على كمال احتياط النبي الأعظم في أمر بيان الأحكام، فلم يكتف ببيانها بمشهد الناس، حتى قام بإملائها على أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما أن فيه إشارة إلى أن الناس لم يحفظوا خصوصيات الأحكام ودقائقها، وإن فرض أنه (صلى الله عليه وآله) بينها لهم، وهو أمر طبيعي، فإن جميع مدة الرسالة نيف وعشرون عاما، قد مضى أكثرها بالجهاد مع أعداء الله، وقد فتحت مكة في أواخر عمره المبارك، فلم يكن للإسلام في زمنه (صلى الله عليه وآله) دورة هدء يفرغ فيها المسلمون لتعلم معارفه، ولم يكن عامتهم إلا الأوحدي منهم عارفين ولا متنبهين بأهمية تلك الأحكام والمعارف حتى يقوموا بصدد ضبطها وكتابتها، ثم بعده (صلى الله عليه وآله) قام المتبعون للأهواء بصدد غصب مقام الولاية الإلهية، وسدوا باب معرفة قوانين الإسلام، بل نهوا عن كتابة الأخبار الحاكية لها، والناس قريبوا عهد بالإسلام فليس من البعيد جهلهم بمعظم أحكامه، بل إن مع النظر إلى الحوادث المؤلمة التي ابتلي الإسلام بها من الطبيعي أن لا يعرف المسلمون أحكامهم الإسلامية، إلا الأئمة المعصومون وأصحابهم الذين اتصلوا بمبدأ الوحي،