الأصلي عام وخاص، والخاص قرينة على تخصيص العموم، ولا ينتقل الذهن أبدا في هذا المقام إلى أنهما مطلقان من حيث الزمان، ليتفكر في أنه هل يمكن الجمع بإيراد قيد على زمان أحدهما.
والوجه الثاني: أن ظاهر كلا الدليلين المتعارضين ظهورا قويا أن مفاد كل منهما حكم للإسلام من أول الأمر، لا أن كلا منهما حكم له من حين صدوره، فهما متفقان في هذا الظهور على أن لا مجال للنسخ، فلو فرض التفات الذهن العرفي إلى الاستمرار الزماني في كل من الحكمين أيضا لكان ظهورهما المذكور في عدم النسخ موجبا للجمع بينهما بغير النسخ، وبأن يجعل الأخص منهما بما له من الزمان المستمر قرينة على تخصيص الآخر بغير مورد الأخص.
وكيف يرضى ذهن أحد من أهل العرف بالتصرف في زمان كلا الدليلين حتى يختص زمان المتقدم بأول ظهور الشريعة إلى زمان صدور المتأخر، ويختص زمان المتأخر - في مورد التعارض - بحال صدوره وما بعده، ويعم في غير مورده جميع أزمنة الشريعة، فإن هذه التقاطيع لازم الجمع بالنسخ، وهي مما لا يقبلها ذهن عرفي، والله العالم.
ومما ذكرناه تعرف أن الجمع العرفي المذكور لا يختص بما كان الدليلان عاما وخاصا، بل يجري في المطلق والمقيد وغيرهما أيضا، لعموم الوجهين المذكورين لجميع هذه الموارد، فتفهم واغتنم، والحمد لله.
ثم إن بعض الأعاظم (قدس سره) بعد عدم تنبهه لما ذكرناه من الوجهين قد استدل لتقدم التخصيص على النسخ بما ورد من أن حلال محمد (صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فإنه دل على أن جميع أحكام الشرع دائمة، فلا مجال لحمل مفاد الدليل المتقدم على النسخ.
أقول: إن التأمل في الأخبار المذكورة يعطى أنها بصدد بيان أن الشريعة الإسلامية خالدة إلى يوم القيامة، وأنها خاتم الشرائع الإلهية، وأما أن كلا من أحكامها دائمة لا يقع فيها نسخ وتغيير من ناحية نفس صاحب الشريعة فلا.