لا إشكال في إمكان وجود مصلحة في إخفاء الحكم الواقعي وعدم بيانه للمكلفين - كما في بعض موارد قبح العقاب بلا بيان -، فهكذا قد يكون مصلحة في إلقاء كلام ظاهره أن هنا حكما مجعولا على حسب مفاد هذا الكلام وليس له واقعية أصلا.
فقد تحصل: أنه لا يكون قوام النسخ بحضور وقت العمل بالمنسوخ، ولا التخصيص بعدم حضوره، بل أمكن فيهما أن يكونا بعده وقبله، نعم، يشترط في النسخ أن يحضر زمان فعلية القانون المنسوخ.
وبعد هذه المقدمة التوضيحية نقول: إذا كان لنا عام وخاص في زمانين، ودار الأمر بين أن يكون الخاص مخصصا للعام، وأن يكون المتأخر منهما ناسخا للمتقدم فالحق أن التخصيص مقدم على النسخ، وذلك لا لمجرد أكثرية التخصيص حتى يورد عليه بأنها لا أثر لها ما لم يرتكز عليها ذهن العرف بحيث كان كقرينة متصلة، بل يقال - كما في الكفاية - بأن النسخ تقييد للإطلاق الزماني في دليل الحكم المنسوخ، وهو على مبناهم مقدم على التخصيص.
بل لأحد وجهين:
أحدهما: أن أدلة الأحكام في كل شريعة وإن كانت تدل بإطلاقها على أنها حكم هذه الشريعة ما دامت الشريعة قائمة، والشاهد عليه هو الفهم العرفي القطعي لمن راجع ارتكازه فلا يصغى إلى إنكاره عن بعض الأعاظم - على ما في الفوائد المقررة لبحثه (قدس سره) - إلا أن المستفاد الأولي من كل دليل إنما هو نفس ما ينطق ويصرح به ويكون المتكلم به في صدد إلقائه، وهو أصل الحكم المذكور فيه، وأما الاطلاق المستفاد منه فهو أمر ينتقل إليه بعد ملاحظة أن ما ذكره المتكلم هو تمام الملاك عنده بعد أن كان في مقام البيان، ولذلك لا يختص بحال دون حال ولا بزمان دون زمان، وإلا فالذهن متوجه أولا إلى نفس المفاد، ولا يتوجه إلى الإطلاق، وما هو المعيار في مقام الجمع العرفي بين الدليلين أو الأدلة عند العقلاء إنما هو ذاك المفهوم الأولي، فإذا ورد: " أن الله خلق الماء طهورا "، وورد أيضا في كلام منفصل: " أن الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة " يرى أنهما في مضمونهما