وفيه: أن مورد الصحيحة ليس من التعارض المستقر، ولا من قبيل موارد العام والخاص، بل موردها ورود خبرين أحدهما ظاهر في الشرطية والآخر في عدمها، ومن الواضح أن بينهما جمعا عرفيا يحمل الظاهر في الشرطية على الأفضلية، كما يحمل الأمر الظاهر في الوجوب على الندب بالقرينة، وفي مثله يكون المكلف في سعة في العمل بدليل الأمر والفضل أو بدليل الترخيص في الترك، فمفاد كل من الخبرين باق غاية الأمر أنه يحمل على الفضيلة في الظاهر في الإلزامي فيعمل بكل من الخبرين، والمكلف مخير في العمل بأي منهما، وهذا بخلاف موارد العام والخاص، فإنه يخصص فيها العام، فيعمل فيها بالخاص فقط دون العام، اللهم إلا في غير مورد الخاص وموضوعه.
وبعد ذلك فلا ربط للصحيحة بالخبرين المتعارضين اللذين يبقى العرف متحيرا بينهما، ويحصل له علم إجمالي بكذب أحدهما.
ومنها: ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة بسنده الصحيح، عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود القمي، وبسنده عن أحمد بن محمد بن نوح أبي العباس السيرافي، عن محمد بن أحمد بن داود، في التوقيع الوارد بإملاء الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح في جواب مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب هذا نصه: فرأيك - أدام الله عزك - في تأمل رقعتي، والتفضل بما يسهل لأضيفه إلى سائر أياديك علي، واحتجت - أدام الله عزك - أن تسأل لي بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول للركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر؟ فإن بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبير ويجزيه أن يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد.
(الجواب) قال: " إن فيه حديثين: أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه تكبير، وأما الآخر فإنه روي: أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه للقيام بعد القعود وتكبير، وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى، وبأيهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا " (1).