وكيف كان فقد استدل له: تارة بما في تعليقة المحقق الخراساني (قدس سره): من أن العلم بالكذب الموجب للسقوط عن الحجية إنما هو بالنسبة إلى المدلول المطابقي لكل منهما، وأما بالنسبة إلى مدلولهما الالتزامي - وهو نفي الثالث المخالف لكل واحد منهما - فلما لم يكن بينهما تناف ولم يعلم كذب أحدهما ولو إجمالا فلا مانع من جمعهما مع وجود المقتضي، على ما هو المفروض من اشتمال كل على جميع ما يعتبر في الحجية... فيكون نفي الثالث مستندا إلى كل واحد (1). انتهى.
لكنه يرد عليه أولا: أن ما نحن فيه ليس من باب الدلالة الإلتزامية فإنها إنما تصح في ما كان اللازم من البين بالمعنى الأخص، أي مما كان نفس تصور المعنى الملزوم موجبا لانتقال الذهن إلى اللازم، كما في حاتم والجود، والعمى والبصر، ومن الواضح أنه ليس بين إثبات الشئ ونفى كل من ما يخالفه هذه الملازمة.
وثانيا - كما أفاده في تعليقته - أنه لا وجه لبقائه على الحجية بالإضافة إلى مدلوله الالتزامي، إذ ليس للفظ دلالة عليه بالاستقلال، بل بتبع دلالته على مدلوله المطابقي، فكيف يبقى حجة بالنسبة إليه بعد ما لم يكن حجة على ما كان دلالته عليه بتبعه " انتهى " وبعبارة أخرى: إن لازم كون الشئ واجبا - مثلا - أنه ليس بمستحب، فإذا لم يثبت وجوبه لابتلائه بالمعارض وانهدم الأصل فكيف يبقى الفرع؟ فإنه فرع لواقع الوجوب الذي لم يبق سليما.
ويستدل له أخرى - كما في التعليقة والكفاية -: بأنه لما كان المفروض اشتمال كل من المتعارضين على جميع شرائط الحجية فالمقتضي للحجية في كل منهما موجود ولا مانع عنه إلا العلم بكذب أحدهما، وما علم كذبه ليس إلا أحدهما بلا عنوان، وأما الآخر بلا عنوان - أيضا - وإن احتمل كذبه واقعا، لكنه لا دليل عليه، وأدلة الحجية تقتضي اعتباره، فمقتضى القاعدة سقوط أحدهما بلا عنوان عن الحجية وكون الآخر كذلك حجة، فحيث إنه لا تعيين لما هو الحجة