" أكرم العلماء إلا الفساق منهم "، أو في الاستحباب مثلا كما إذا قال: " اغتسل للجمعة ولا عقاب على تركه " إلى غير ذلك - فلا شبهة في عدم مجال توهم صدق عنوان الإختلاف أو التعارض أصلا.
ثم إن مصب التخصيص أو التقييد أو الحكومة ونحوها إنما هو مفاد الجمل الواردة في بيان الأحكام، فمثل قولنا: لا تكرم الفساق من العلماء، بمدلوله التصديقي الحاكي عن تحقق إرادة المتكلم جدا بمفاده إذا قيس إلى مثل " أكرم العلماء " الدال بنفسه على وجوب إكرام جميع العلماء يقدم عليه، ويوجب خروج الفساق منهم عن هذا الحكم، وهو لا يكون إلا بتقديم الأصول الكاشفة عن إرادة المولى في دائرة الخاص على الأصول الجارية في دائرة العموم، ويعبر عن هذا التقديم بالتخصيص، فعنوان التخصيص إنما ينتزع عن تقديم مفاد الدليل المخصص في الكشف عن إرادة المتكلم (المولى) على مفاد العام، فرفع اليد عن أصالة الظهور الجارية في العام مأخوذ ومفروض في التخصيص، وهكذا الأمر في تقديم مفاد الدليل الحاكم على المحكوم، وحينئذ فإجراء الورود أو الحكومة في نفس الأصول اللفظية - كما في رسالة الشيخ الأعظم (قدس سره) لا يخلو عن إبهام. اللهم إلا أن يقال: إن تقديم الأصول اللفظية بعضها على بعض وإن اشرب في معنى الحكومة والتخصيص إلا أنه إذا نظرنا إلى نفس تلك الأصول مستقلة أيضا لنرى أن بعضها يقدم على بعض، وهذا التقديم أيضا يحتمل فيه أن يشبه التخصيص أو الحكومة أو الورود.
وحينئذ فالحق أنه لا مجرى حقيقة لأصالة العموم مع الخاص، فتقديم أصالة الظهور الجارية في الخاص على أصالة الظهور الجارية في العموم إنما هو بنحو الورود لا غير، فإنه لا يرى العقلاء للأصل الجاري في العام حينئذ مجالا كما لا نتصور معنى معقولا للحكومة، مع أن قوامها بلسان الدليل، ولا دليل لفظي في باب إعتبار الأصول اللفظية ولا في تقديم أحدها على الآخر، هذا في العام والخاص.
ومثله بعينه باب المطلق والمقيد. ونظيرهما أيضا موارد الحكومة.