ثم إن التحقيق في الأمارات أنها حجة على نحو الطريقية، كما هو المعروف، وأنها طريق في عرض القطع إلى مؤدياتها، فهي طرق اعتبارية يعبر عرفا بالعلم بمؤداها إذا قامت، كما في موارد القطع، فتزيد على الحجية المحضة بأنها علوم يجوز مع قيامها أن ينسب مؤداها إلى المولى والشارع، إلا أن هنا وجهين آخرين، بل قولين على مسلك الطريقية:
أحدهما: مختار الكفاية من أن المجعول فيها ليس إلا الحجية التي مآلها المعذرية والمنجزية عند الموافقة للواقع والمخالفة لها.
والثاني: ما نسبه صاحب الكفاية في الهامش هنا إلى المشهور، من أن الشارع جعل في موردها حكما ظاهريا عبر عنه في مبحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي بأنه حكم طريقي عن مصلحة في نفسه موجبة لإنشائه الموجب للتنجز، أو لصحة الاعتذار.
وقد أشار إلى هذين الوجهين وأكد على مختاره في فصل التخطئة والتصويب من مباحث الاجتهاد والتقليد من الكفاية، فقال: " نعم، بناء على اعتبارها - يعني الأخبار - من باب الطريقية كما هو كذلك، فمؤديات الطرق والأمارات المعتبرة ليست بأحكام حقيقية نفسية، ولو قيل بكونها أحكاما طريقية، وقد مر غير مرة إمكان منع كونها أحكاما كذلك أيضا، وأن قضية حجيتها ليس إلا تنجز مؤدياتها عند إصابتها والعذر عند خطئها، فلا يكون حكم أصلا إلا الحكم الواقعي... الخ "، فكلامه (قدس سره) - كما ترى - صريح في ابتناء كلا الوجهين على مسلك الطريقية.
وحينئذ فما في تقريرات بعض الأعاظم " من أن الالتزام بإنشاء الحكم الظاهري يرجع إلى السببية في الطرق والأمارات، وأن ما أفاده في هذا الموضع من الكفاية مناقض لما سلمه في مبحث الاجتهاد والتقليد من أنه من فروع القول بالسببية " ناش عن عدم الدقة في تحصيل مراده. والله العاصم، وهو الهادي إلى سواء السبيل.