العقاب المحتمل، وإلزام العقل به إلزام إرشادي إلى التحذر عن العقاب الواقعي المحتمل لا غير، كإرشاده إلى التحذر عن عقاب عصيان التكاليف المعلومة، لا أن فيه مصلحة نفسية خاصة، وعليه فإذا ورد من الشرع بعث إلى التعلم والفحص عن الأحكام فبما أن المخاطبين به قد ارتكزت أذهانهم على ثبوت هذا الوجوب الإرشادي فلا محالة لا يفهمون من بعث الشارع أيضا، إلا أن الشارع أيضا قد قال بما يقول به العقل والعقلاء، وهو مؤكد لقولهم وبصدد الإمضاء فنظرهم، لا سيما وقد نطق بعض هذه الأدلة الباعثة على التعلم الآمرة بالفحص بهذا السر الذي ينظر العقل أيضا إليه كما في موثق مسعدة بن زياد: " وإن قال - يعني العبد -: كنت جاهلا قال: أفلا تعلمت حتى تعمل؟ " فإنه ظاهر في أن البعث نحو التعلم ليس إلا لأنه مقدمة للعمل.
وبالجملة: فلا تدل روايات الحث على الفحص والتعلم على أزيد من وجوب إرشادي ليس الغرض منه إلا ما يترتب ويقع لولاه أيضا.
ثم إن هذا كله في التكاليف المطلقة واضح.
وأما المشروطات فقد يستشكل فيها - كما في رسائل الشيخ الأعظم (قدس سره) بأنها لا تنجز قبل فعلية شرطها، فإنه مقتضى الاشتراط، فإذا فرض غفلة المكلف عنها بعد حصول شرطها لزم أن لا يترتب عليها عقاب أصلا، فمثلا إذا فرض غفلة المكلف عند الاستطاعة عن تكليف الحج، والمفروض أن لا تكليف قبلها فلا سبب هنا لاستحقاق العقاب رأسا، أما حين الالتفات إلى امتثال تكليف الحج فلعدم التكليف به، لفقد الاستطاعة، وأما بعد الاستطاعة فلفقد الالتفات وحصول الغفلة.
والحق في الجواب: أن مقتضى حكم العقل والعقلاء بلزوم الفحص كحكم الشرع بوجوب تعلم الأحكام أن أحكام الشرع كلها للجاهل الملتفت الذي يقدر بالفحص على رفع الجهل منجزة، بمعنى أنه بمنزلة العالم بها، ولا يعد جهله بها عذرا له في شئ من الموارد، بل بمجرد الاحتمال يتم البيان، ولا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وتقوم عليه الحجة البالغة المدلول عليها بقوله: " أفلا تعلمت