وصنف آخر قد دل على التوقف عن القول بغير علم، مثل صحيح هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)، ما حق الله على خلقه؟ قال: " أن يقولوا ما يعلمون، ويكفوا عما لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك فقد أدوا إلى الله حقه " (1). ومثله خبر زرارة المروي عن توحيد الصدوق وأماليه، عن أبي جعفر (2) (عليه السلام). وخبره المروي عن المحاسن، عن أبي عبد الله (3) (عليه السلام).
والصنف الثاني يرجع إلى الأول، إذ لا ريب أن المراد به التوقف عن الفتوى، ثم الرجوع إلى أهل الذكر لرفع الجهل والشبهة، وجميعها ردع عما عليه العامة العمياء من القول بغير علم، تعويلا على القياس والظنونات الواهية والآراء الكاسدة، الذي كان عليه بناؤهم في ذلك الزمان، كما يشهد له ما عن نهج البلاغة:
أنه (عليه السلام) قال في خطبة له: " فيا عجبا، ومالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها؟! لا يقتفون أثر نبي، ولا يقتدون بعمل وصي، يعملون في الشبهات، ويسيرون في الشهوات، المعروف فيهم ما عرفوا، والمنكر عندهم ما أنكروا، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم، كأن كل امرئ منهم إمام نفسه، قد أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات " (4) والله الموفق للصواب والعاصم من الزلات.
فالحاصل: أن هذه الأخبار الكثيرة واردة في الشبهة الحكمية قبل الفحص، مع إمكان الرجوع إلى الإمام (عليه السلام) وإزالة الشبهة، وتنهى عن الفتوى في موردها قبل الرجوع إليهم، ولا ترتبط بما نحن فيه من الشبهة بعد الفحص التي لا يفتى فيها أيضا بالحكم الواقعي، فإنه مصداق القول بغير علم المحرم، وإنما يقال فيها بعدم العقاب على الارتكاب، تعويلا على أدلة البراءة العقلية والنقلية.
وهذه الأخبار الكثيرة بضميمة ما سبقها في القسم الأول من هذه الطائفة ترسم الأرضية الموجودة في زمن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وتكون قرينة لغيرها