حكم العقل بتنجز التكاليف الواقعية بمقتضى العلم الإجمالي بها، فلا يقتضي هذان الوجهان أزيد من هذا التنجيز، ومعه فلا ريب في حكم العقل بوجوب الإحتياط، كيلا يقع في عقاب التكاليف المنجزة التي دلنا على تنجزها هذان الوجهان، وعليه فلا حاجة أصلا إلى دخالة شرعية بإيجاب الاحتياط، أو نصب طريق شرعي إلى تلك الأحكام.
وحينئذ فلا محيص في الجواب إلا القول بإرادة المعنى الأعم الشامل لما كان التكليف منشأ للعسر أو الحرج ولو بضميمة حكم العقل، ولعله الأظهر، إذ من تناسب الحكم والموضوع يفهم من أدلتهما عرفا أن الشارع لا يريد شيئا ولا يجعل على المكلف أمرا يوجب عليه العسر والحرج، فإن الشريعة سهلة سمحاء، فلا يفرق بين ما كان بنفسه حرجا، وما كان كذلك بملاحظة حكم العقل في كيفية امتثاله.
فبعد ذلك، ربما يورد عليه: بأن مقتضى أدلة نفي العسر والحرج أن الله تعالى لا يريد ما كان منشأ لهما، فيرفع أصل التكليف الواقعي، لا خصوص الاحتياط في بعض أطراف احتماله، وإذا رفع أصل التكليف فلا يكون وجه لرعاية التكليف في شئ من أطراف احتماله، فمآل الاستدلال بأدلة نفي العسر والحرج إهمال التكاليف الواقعية، وعدم وجوب التعرض لامتثالها، وهو خلاف المقدمة الثالثة.
والحق في الجواب أن يقال: إن التكليف والحكم الواقعي هنا ليس حكما واحدا يجب بحكم العقل الأولي الاحتياط في أطراف احتماله، بل لا ريب أن هنا أحكاما متعددة.
ثم إن من المعلوم أنه لو كان في البين تكاليف متعددة يوجب امتثال جميعها عسرا وحرجا، فإنما يحكم بارتفاع عدة منها بمقدار يرتفع به العسر والحرج، غاية الأمر أنه لو كان بينها ما يتعين رفعه عند دوران الأمر بينه وبين غيره، يحكم برفع هذا بخصوصه، وإلا تخير المكلف بين المعاملة مع كل منها شاء برفعه، ففي ما نحن فيه لما كان لا يجوز العقل في مقام الامتثال رفع اليد عن التكاليف المظنونة