لحجية الخبر الواحد، وهذا الانحلال يوجب إمكان الرجوع في مقام الامتثال إلى الاحتياط بين هذه الأخبار، وأن لا يكون دليل حينئذ على عدم إمكانه أو عدم وجوبه، على ما يأتي في المقدمة الرابعة. وسيأتي - إن شاء تعالى - وجه آخر للانحلال عند التعرض للمقدمة الرابعة.
وأما المقدمة الثانية فهو بالنسبة إلى حصول العلم القطعي مسلم، إلا أنه لا ريب في وفاء مجموع ظواهر الآيات والأخبار القطعية الصدور، والآحاد المروية عن الثقات التي قد مر اعتبارها بمعظم الأحكام الفقهية، بحيث لا يبقى معها علم بتكليف إلزامي واحد زائد عما تضمنتها من التكاليف، كما هو واضح، فيختل بذلك أساس دليل الانسداد وينهدم ركنه، ويكون البحث عن مقدماته الاخر - كالتنبيهات المتفرعة عليه فرضيا - لا يترتب عليه ثمرة عملية إلا في موارد مشابهة له إن كانت.
وأما المقدمة الثالثة وهي عدم جواز ترك التعرض لامتثالها - فقد استدل لها بوجوه ثلاثة:
أحدها: الإجماع من جميع العلماء.
إلا أن فيه أولا: أن كثيرا منهم لم يتعرض لأصل حال الانسداد فرضا عن حكم عدم جواز الرجوع إلى البراءة فيها، فدعوى اتفاقهم مبني على الحدس والفرض.
وثانيا: أنه إن قالوا بعدم الجواز فلا يمكن أن يكشف به عن أمر غير أحد والوجهين الآتيين، لقوة احتمال أن كانوا يستندون إليهما.
الوجه الثاني: أن عدم التعرض للامتثال والأخذ بالبراءة موجب للخروج عن الدين، بدعوى: أن الآخذ بالبراءة في غير مورد العلم أو الظن التفصيلي المعتبر لقلتهما جدا يعد تاركا للشريعة، وتركها في مقام العمل غير جائز قطعا، وإن فرضنا جواز مخالفة التكليف المعلوم بالإجمال أيضا.
وفيه: أن الإنصاف أنه لم يعلم أنه أمر غير ترك العمل بالتكليف المعلوم